الجزيرة الثقافية - مشعل الرشيد:
المسرحيون الذي دخلوا عالم الصحافة، والصحفيون الذين صعدوا خشبة المسرح، لم يتجاوزوا أصابع اليدين في المملكة، بعضهم الآن غائب عن المشهد المسرحي والمشهد الإعلامي معاً أو أحدهما، تواصلنا معهم لنسألهم (بعد وصول عمر الصحافة في المملكة إلى الـ100 عام، ومن خلال تجربتك المسرحية الصحفية، وخلال الفترة التي عايشتها، كيف رأيت اهتمام الصحافة السعودية بالمسرح السعودي؟) كانت الإجابات متقاربة مع الاختلاف البسيط، فقد أجمعوا على أن المسرح السعودي كان حاضرا وبشكل يومي في صحافتنا منذ تأسيسها (جريدة أم القرى 1924م) ومنذ تأسيس جمعية الثقافة والفنون، وإن كان هذا الحضور يختلف بشكل نسبي من صحيفة إلى أخرى، لكن الحراك المسرحي كان هو المحرك والدافع للعلاقة الدائمة بين المسرح والصحافة، أي أن الصحافة كانت تواكب كل حضور مسرحي في علاقة طردية، وعندما يكون المسرح الفاعل والحدث تتبعه الصحافة لتسليط الضوء، وقد جاءت إجابات المشاركين على السؤال قائلة:
التزامن التاريخي
بدأنا بإجابة السماعيل الذي قال: نشأت الصحافة في بداية عصر النهضة في أوروبا وبالتحديد بعد اختراع المطبعة الآلية في منتصف القرن الخامس عشر في ألمانيا 1450 م حيث أتاحت الآلة فرصة نشر الأخبار وطباعة الكتب على نطاق واسع بعدما كانت الطباعة اليدوية محدودة جداً بين الخواص والمثقفين فقط، وقد تزامن ذلك أيضاً مع بروز المسرح وخروجه من أحضان الكنيسة إلى فضاء المجتمع وبروز الكتاب الكبار مثل شكسبير في انجلترا، يعني ذلك أن الصحافة والمسرح والمطبعة قد تزامنوا تاريخياَ في تحقيق نقلة نوعية غير مسبوقة في مجال الاتصال والتواصل مع الجمهور العام، ولم يختلف المسرح في المملكة منذ نشأته عن غيره من مسارح دول العالم من حيث اعتماده على الصحافة بوصفها وسيلة نقل أخباره وهمومه، حيث أعطت الصفحات والملاحق الأدبية والثقافية في الصحف منذ البداية اهتماماً بالمسرح على أساس أنه نوع من أنواع الأدب وليس فعلاً مسرحياً، وزاد الاهتمام بالمسرح في الصحافة الفنية بعد تأسيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون 1393 هـ، وقد لعبت الصحافة الفنية دورها التاريخي في مساندة وإبراز المسرح المحلي والتعريف بكوادره من مؤلفين ومخرجين وممثلين، بعضهم نال شهرة واسعة على مستوى الدراما السعودية مسرحياً وتلفزيونياً.
دعم الصحافة
السعيد كتب إجابته للمناسبة قائلاً: في تقديري أن الصحافة السعودية كانت هي الداعم الكبر للحركة المسرحية، وحتى من قبل بداياتها، فالمسرح شكل مادة جيدة في الإرث الصحفي وإن كان بنسب متفاوتة من صحيفة إلى أخرى ومن مجلة إلى أخرى، ولم تكن الصحافة تقف موقف المتفرج من كل ما يخص التمثيل والمسرح أو تكتفي بنشر أخباره فقط، بل كانت هي السند للمسرحيين في مطالباتهم وطرح همومهم وقضاياهم، وفي أحيان أخرى يكون صوت الصحافة أكبر من الحراك المسرحي نفسه، فكم من ملحق خاص أعد وكم من صفحة خصصت لقضية مسرحية وكم من تغطية لحث مسرحي، وبتعبير أدق تخلت كل الوسائط الإعلامية المتاحة في ذلك الوقت عن المسرح المحلي إلا الصحافة كانت ولا تزال هي الجدار المتين الذي يستند عليه المسرح والمسرحيون.
أسماء قدمت نفسها
المتمرس في المسرح والصحافة المسرحية الحارثي حدد الأسماء الصحفية المسرحية قائلاً: منذ فترة طويلة اقتصر اهتمام الصحافة على التغطيات الإعلامية للعروض المسرحية أو اللقاءات الصحفية لكوادر العروض المسرحية، أما الاهتمام بالنقد المسرحي أو الثقافة المسرحية كان دوماً أقل من المطلوب، بل يكاد يكون شبه معدوم، وحتى الآن قد لا نملك اسماً نستطيع أن نشير له كناقد مسرح يرتبط اسمه وفعله بهذا الجانب، من جانب آخر حاول المسرحيون دوماً أن يقوموا بعمل كل شي، من ضمن ذلك الإعلام لخدمة المساحة الفارغة من الاهتمام، وسنجد أن هنالك أسماء قدمت للمسرح الشيء الكثير إعلامياً، ومنهم مشعل الرشيد في جريدة الرياض ثم الجزيرة ومجلة اليمامة، وفهد الحارثي في البلاد والجزيرة والمدينة، وفهد الحوشاني في الجزيرة، عبدالعزيز السماعيل عباس الحايك في جريدة اليوم، وعلي الزهراني في المدينة، نايف البقمي في الوطن، وكل هؤلاء وغيرهم سرقوا من وقتهم المسرحي من أجل لا يذبل المسرح إعلامياً، لكن الأمر تقلص كثيراً الآن مع ظهور وسائط أخرى مثل الفيسبوك وتويتر واليوتيوب، فقل دور الصحافة كثيراً حتى عن المتابعات الإخبارية، وباتت الوسائط الأخرى أكثر أهمية واهتماماً وتواصلا.
صانع الحدث
العتيبي يؤكد أن الصحافة بوصفها عملاً إعلامياً تتبع الحدث وهي قاعدة معروفة، والمسرح إذا لم يكن حدثاً لن يتبعه الإعلام أبداً، ويقول: الإشكال في نظري ليس الصحافة، ولكن الإشكال في المسرح والحراك المسرحي، هناك أحداث محدودة يمكن أن يتلهف عليها الإعلام ويجري وراءها، أما الكثير فلا يعني الصحافة في شيء، الصحافة لديها معايير عالية في تقييم الأحداث ولديها حساسية عالية في الأحداث التي تهم الناس، والمجال الذي لا يخدم هدفها لن تجري خلفه، المسألة ليست في تاريخ التغطيات منذ سنوات أو حالياً، المسألة القاعدة واحدة، انظر حين يموت جراح قلب مهم لا تغطي موته الصحافة، ولكن يموت مطرب مشهور يصبح عناوين الصحافة المحلية والدولية، لأنه يمثل حدث فقط لهذا المسرح عليه أن يضع حدثاً مهماً، حتى يكون محط أنظار الصحافة وفلاشاتها، الصفحات الفنية في الصحف وعلى سنوات قدمت الجهد الممكن، مثلما أن المسرح قدم الجهد الممكن، تميز الصحافة الفنية مرتبط بتميز المسرح، ماذا ستكتب الصحافة الفنية في حال كانت منطقة المسرح خاملة، المسرح يجب أن يشعر بدوره كصانع حدث سواء المسرحيين الممارسين للعملية المسرحية، أم المسئولين في مكاتبهم، عليهم أن تكون لديهم مهارة صناعة الأحداث المسرحية.
الورقية والالكترونية
الغوينم يرى أن الصحافة الفنية كانت ومازالت حاضرة ومتواجدة عندما يحضر المسرح، ويقول: خلال الأعوام من 1400 إلى 1425 هـ تقريباً كانت هناك صفحات وملاحق فنية مزدهرة في كافة الصحف فيها صفحات متخصصة لمتابعة الحركة المسرحية، وكان هذا العمل الصحفي يمثل أشياء رائعة بالنسبة للمسرحيين، وكان المهتمون بشئون المسرح يتعرفون على أنشطة الفرق المسرحية عن طريق الصحافة الفنية، ونظراً لتفاوت الحضور المسرحي فقد كانت الصحافة الفنية تعطي الاهتمام للمسرح بنفس مستوى حضوره برغم الاهتمام الإعلامي الشديد بالأغنية والدراما التلفزيونية، ومع دخول الإعلام الجديد اختلفت الأمور ولم تعد الصحافة الفنية مصدرا مهما لمتابعة المسرح، لأن الوسائط الأخرى تقدم ما لا تستطيع أن تقدمه الصحافة، من خلال التحديث والمتابعة والمباشرة والتنوع الوسائطي، لذلك أصبحت التغطية الصحفية الورقية في تلك المرحلة وثيقة تاريخية هامة وربما وحيدة في حياة تاريخ المسرح السعودي حتى اليوم، وشاهداً على الاهتمام الصحفي التاريخي بالمسرح السعودي، وفي اعتقادي أن الصحافة قادرة على الاستمرار في لعب هذا الدور الكترونياً أيضاً كانت ورقياً.
لا توثيق للمسرح
الحوشاني هو أيضاً كتب وأخرج للمسرح ومارس العمل المسرحي بالصحافة سنوات طالت كان فيها الكاتب المدافع عن المسرح، فهو عن علاقة المسرح بالصحافة يقول: في وقتنا الحاضر لا يوجد صحافة مسرحية وحتى الصحفيون الذين كان لهم اهتمام بالمسرح اختفوا من الساحة لأسباب لعل من ضعفها قلة الإنتاج المسرحي وتباعد إنتاج المسرحيات، وبالتأكيد فترة التسعينات الميلادية وحتى الفترة من 1400 إلى 1417 تقريباً كانت زاخرة بالإنتاج المسرحي، وصاحب ذلك صحافة مسرحية مزدهرة ساهمت في نشر المسرح والترويج له، وتقديم الممثلين المسرحيين للجمهور، كما ساهمت في توجيه بوصلة المسرح من خلال النقد الجريء الذي تمتع به صحفيو تلك الفترة، والصحفيون المهتمين بالمسرح ساهموا ربما دون أن يقصدوا ذلك في توثيق مرحلة مهمة من مراحل المسرح السعودي في ظل عدم اهتمام الجهات المنتجة للمسرح بتوثيق أعمالها.
المتخصصون في الأغنية
السبيعي كتب على ورقة إجابته قائلاً: ارتبطت الكتابة الصحفية بالمسرح منذ البداية، فهما متلازمان في هم واحد، فأكثر الكتاب الصحفيين مارسوا المسرح كتابة وهوى، حيث نجد مثلاً الشاعر حسين السراج يكتب أول نص عام 1932 م، والشاعر الصحفي حسين سرحان كتب مسرحية بعنوان (الظالم نفسه) عام 1350هـ كما أن الصحافة وثقت لنا مشاهد الملك عبدالعزيز رحمه الله لمسرحية عام 1354هـ، كذلك الصحافة وثقت تجربة الرائد الصحفي والمسرحي أحمد السباعي الذي أسس مسرحه عام 1381هـ وكان مدار الصحافة حتى اليوم، كما هنالك القلم النقدي والمقالي للكاتب عزيز ضياء وهو كاتب مسرحي ومترجم لغات، كما هنالك في المنطقة الشرقية الصحفي والكاتب عبدالله شباط، بعد ذلك نجد ظهور أسماء صحفية مسرحية تعاملت مع المسرح شكلاً ومحتوى على ورق الصحافة، لكن في الوقت نفسه نجد هذه الأسماء ليست متخصصة في المسرح إلا ما ندر، على عكس الصحافة المهتمة بالأغنية نجد فيها أسماء متخصصين في الكتابة والنقد الغنائي.
إذا غادر المسئول
آخر المشاركين في الإجابة على السؤال حول المسرح في الصحافة يقول الحايك: حينما نتحدث عن الصحافة السعودية بشكل عام، فلا يمكن أن نجزم بأنها خدمت المسرح وقدمت له المساحة الكافية والاهتمام، لكن ثمة ملامح اهتمام عند بعض الصحف السعودية والتي اعتمدت أغلبها على مسئولي أقسام يؤمنون بالمسرح، فصحيفة خصصت صفحة خاصة بالمسرح لأن المسئول عنها مسرحي، وهكذا فعلت أكثر من صحيفة، ويغادر المسرح صفحات هذه الصحف بمجرد مغادرة المسئول، شخصياً كنت متابع جيد لما تنشره جريدة الجزيرة في صفحتها فنون مسرحية التي كانت الصحيفة الوحيدة التي فتحت الباب للمسرحيين ليكتبوا ويشاركوا فعالياتهم المسرحية مع قرائها، وكنت ممن نشر في الجريدة، أذكر في عام 2008 م حين استضافت العاصمة الرياض مهرجان المسرح السعودي الرابع، كان هناك غياب للصحافة المحلية عن متابعة أخبار المهرجان، وهذا ما شكل خيبة أمل لدى ضيوف المهرجان، عدا صحيفة اليوم التي كنت صحفياً متعاوناً فيها والتي خصصت صفحة يومية لمتابعة المهرجان وفعالياته، وكان يفترض أن تخصص الصحف الأخرى مساحة لمتابعة هذه الفعالية المهمة، أعتقد أن الصحافة ساهمت في عدم معرفة الجمهور بالمسرح وجهود المسرحيين حين غاب المسرح عن صحافتها، المسرح يحتاج لمنصة تعرف الناس به.