بوصفه صحفيًا، وكاتبًا صحفيًا، نمت ثقافته عبر الصحافة، وامتد مداده عبر صفحاتها لعقود، فقد استهل القاص والروائي أحمد الدويحي، حديثه في حواره لـ«الجزيرة الثقافية»، عن مسيرة قرن من الصحافة السعودية، قائلاً: لعبت الصحافة السعودية عبر مسيرتها الطويلة من خلال صحافة الأفراد التي كان لها ريادة السبق، ومن ثم بعدها صحافة المؤسسات التي نعرفها بواقعها الراهن المعاصر، أدوارًا توعوية جليلة في كل مناحي الحياة التنموية في البلاد وبالذات في الحقل الثقافي والمعرفي.
* وعن ذاكرة قرن من الصحافة السعودية التي تمثلها «صحافة الأفراد»، وما أحدثته صحافة المؤسسات من نقلة مهنية، قال الدويحي: إذا كنا لم ندرك مرحلة صحافة الأفراد التي كانت تقليدية، وتعتمد على المقالة الأبوية الناصحة والكاشفة في تعاطيها مع قارئها، فقد قلبت صحافة المؤسسات بما تيسر لها من قدرات مالية وتقنية المعادلة، أعني بذلك أنها استفادت من التقنيات الحديثة فأصبحت قريبة من مركز الحدث الثقافي المكاني وبالصورة أيضًا، وهي بذلك تواكب الطفرة الثقافية والتنوع المعرفي والجنس الكتابي، فبتنا نشهد ملاحق ثقافية أسبوعية وصفحات يومية في كل الصحف تقريبًا.
* ومع ما أشرعته الصحف من صفحات يومية، وملاحق ثقافية أسبوعية، للثقافة بمختلف فنونها، والأدب بفنيه شعرًا ونثرًا، إلى ما يصحب ذلك من دراسات نقدية، التي مضى الدويحي في وصفها قائلاً: إلى جانب هذا الحراك الثقافي الصحفي شهدت الصحف تنافسًا على استقطاب الأدباء على الكتابة في تلك الصحف عبر صفحاتها الثقافية، وهنا شهدنا حضورًا مدهشًا للأجناس الأدبية المتنوعة شعرًا وقصة ونقدًا وفنونًا تشكيلة، وحتى الشعر الشعبي الذي خصصت له صفحات تعنى به، وهذا بطبيعة الحال يفتح مجالاً لحضور النخبة لكل هذه الأجناس الأدبية، فكانت الملاحق الأدبية في الصحافة السعودية غاية لكثير من الأدباء العرب لأنها تقدم لهم أدبًا وفنًا رفيعًا.
* وفي سياق التحولات التي تشهده الصحافة الورقية، التي آلت إليه مع نهايات قرن من مسيرتها الورقية، قال الدويحي: للأسف الصحافة الورقية التي قدمت في مرحلة ماضية دورًا تنويريًا ناضجًا، لم يعد بمقدورها فعل ذلك الدور الذي فقد منها، بسبب حضور النوافذ الثقافية مع وجود التقنية الحديثة حتى لو كان لها مواقع إلكترونية، وما زالت تجاهد ليكون لها الدور ذاته، ويعود تراجع دور الصحف الورقية ثقافيًا لأنها فقدت بريقها وتوهجها وفرادتها، وصار في مقدور الأديب التواجد في مواقع إلكترونية متعددة تغنيه عن سطوة وسلطة الصحيفة الورقية، وأظن أننا سنشهد تحولات كثيرة في هذا الزمن الراهن، فالصحف بطبعها تريد الكسب وهي لم تعد تكسب لمحدودية التوزيع وتراجعها، وهي لم تخطُ مسافة متقدمة عما حققت كنشر الكتب الأدبية، وقد تجد نفسها في حقول أخرى غير ثقافية لن تجد من ورائها إلا وجع الرأس.