للحديث في حضرة 100 عام من الصحافة السعودية، فهذا يعني الحديث عن ذاكرة أممية على امتداد الزمان، والمكان، والنهضة، والريادة العربية، والمكانة العالمية التي تتبوأها بلادنا في مختلف المجالات، التي كانت الصحافة فيها الصوت، والصورة، ورجع الصدى، والذاكرة الممتدة بعمق قرن، من العطاء الصحفي، بدءا بصحافة الأفراد، ومنها إلى مرحلة الإدماج، ومن ثم بزوغ شمس المؤسسات الصحفية التي استطاعت خلال مسيرتها وفي سنوات وجيزة من تاريخ الصحافة العربية، أن تتنازع الصدارة بين كبريات الصحف العربية العريقة.
لهذا، سأطل من شرفة مختلفة عما أسهم به المثقفون والمثقفات في المملكة، وأكرمونا، وشرفونا به، عن استقراء القرن الصحفي: النشأة، والتطور، وعن ديناميكية العلاقة بين الصحافة وجمهورها عبر الثلاث مراحل، ومدى ما نهضت به من وظائفها، طيلة قرن، وهي تتنفس التحديات اليومية، وستظل!
موت الصحافة! مقولة باتت ملقاة على قارعة الطريق، ومع أن البعض وربما الأغلبية يربطها بموت (الصحيفة الورقية)، الذي يعني لهم بالضرورة موت المؤسسة الصحفية! مع أن الصحيفة الورقية اليوم، ما هي إلا إحدى منتجات المؤسسات الصحفية، الذي أصبح منتجا يعكس قرابة عقدين من «الترشيد» المتنامي، الذي يتناسب طرديا مع تنامي (حاد) من الفقد: في الإعلان، ومن ثم الفقد في القوى، وصولا إلى الفقد في القارئ الذي أصبحت أبرز ملامحه: التجول، الإبحار، الأفقية، الذرة.. وهذه من بديهيات مسلم بها مما تشهده الصحافة حول العالم، وما تحولت إليه من توظيف وسائط التقنية، و(إنتاج المحتوى)، إلا أن مما لا يمكن التسليم به النظر إلى هذه التحديات التي تواجهها المؤسسات الصحفية، مما هو سائد من آراء لا تحسن التفريق بين المؤسسات الصحفية بوصفها وسائل إعلام، لا وسائل اتصال، ولا وسائط تواصل! الذي لا يمكن معه أيضا الخلط بين المؤسسات الإعلامية الصحفية، وصحافة المواطن، والصحافة المجانية، والصحافة الإلكترونية، والمنصات الإخبارية، وصولا إلى صحافة الجوال، وغيرها مما سيستجد من أنواع الصحافة، فيما يصدق عليه المسمى: مضمونا، وشكلا، تثبته «معيارية» العلم أو تنفيه، مع أن هناك اليوم من لا يرى أن الإعلام «علم»! وهذه قضية أخرى، لا تبعد كثيرا عن رؤية أولئك الذين يرفضون أن يكون الإعلام والاتصال علم مستقل، بفنونه، ونظرياته، ونماذجه، ومدارسه، ووسائله.. لكونهم يرونه علما من فروع علم اجتماع!
... ... ...
* الصحافة منتجات قد تستبدل.. لكنها حاجات لا تذبل!
** **
- محمد المرزوقي