محمد بن علي بن عبدالله المسلم
بداية لا بد من الاعتراف بنجاح حكومتنا في التصدي لجائحة فيروس كورونا بدرجة تفوقت به على حكومات العالم الأول إجرائياً ووقائياً وتوعوياً وطبياً وتقنياً، وبالتالي الشكر والتقدير للقيادة على حسن التعامل مع هذه الجائحة بجدية تمثلت أولاً وقبل كل شيء بتكوين لجنة للجائحة برئاسة معالي وزير الصحة د. توفيق الربيعة والجهات الأخرى وإعطائهم الصلاحيات المالية والمعنوية ومتابعة نتائج أعمالهم.
بعد هذه المقدمة لابد من الإشارة إلى أن هذا الفيروس الذي لا يُرى إلا بالمجهر هو كائن مميت، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى نشوئه ومصدره هل هو من المعامل بنتيجة الأبحاث استخباراتياً أم من الكائنات الحية، ويبدو أن سره سيظل طي الكتمان أسوة بما سبقه من فيروسات مثل فيروس الإيدز!!! لقد أعجز هذا الفيروس (المتناهي الصغر) أكبر دول العالم عدة وعتاداً اقتصادياً وتقنياً واجتماعياً وبيئياً وقبل كل شيء طبياً.
لقد أطاح باقتصاديات الدول كبيرها قبل صغيرها فتعطلت المصانع وفقدت العمالة أعمالها ومصدر رزقها نتيجة الحظر ومنع التجوال لمنع انتشار العدوى، ووصلت البطالة إلى أكثر من 400 مليون عاطل في العالم، وخلت الشوارع من البشر وظهرت فيها بعض الحيوانات والزواحف تتجول فيها وكأنها تستغرب من خلوها من البشر، وتعطلت المدارس، بل حتى بيوت الله تم التباعد بين المصلين ولبس الكمامة واستخدام سجادة صلاة خاصة لكل واحد، وتوقفت المصانع والمتاجر.
ومما زاد الطين بله انخفاض الطلب على الطاقة ونزول الطلب على البترول إلى نحو 50 % وهبوط أسعار البترول إلى أرقام سلبية (كما حصل في أمريكا)، وأفلست شركات دولية كبرى مثل شركات النقل والطيران والسياحة، في وقت حاجة الدول إلى موارد مالية إضافية لمواجهة التكاليف الطارئة بسبب الجائحة والبطالة، وتضررت الدول حتى في تمويناتها وحاجاتها الأساسية، وتسابق المستهلكون على رفوف المحلات التجارية والسوبر ماركت التي صارت خاوية حتى من أوراق الحمامات، بل إن الفوضى وصلت إلى المحلات التجارية ونظفوها مما فيها، وهو -ولله الحمد- لم يحصل في بلادنا، فالمواد التموينية والزراعية (وبالذات المنتجة محلياً) توفرت طوال أيام الأزمة، وقامت الصناعة الوطنية بإنتاج بل مضاعفة إنتاج ما يحتاجه السوق من أدوية ومعقمات وكمامات، وأثبتت الصناعة والإنتاج الوطني الزراعي أهميتها في توفير الأمن الغذائي، ويجب شكر الجهات الرقابية المتخصصة بمراقبة الأسواق من قيامها بواجباتها ومتابعة كل من يحاول العبث في الأسعار وفي المواد وعدم تخزينها.
أما في المجال الصحي -فلله الحمد والمنة- فقد أثبت النظام الصحي بالمملكة بأنه أفضل من أنظمة الدول الرأسمالية أو ما يسمى بالاقتصاد الحر، وكذلك بالدول المركزية الاقتصاد، حيث إن نظامنا المتمثل بالقطاع الحكومي والقطاع الخاص يكملان بعضهما والدولة ترعى القطاعين الصحي والخاص بالتمويل، كما تنشئ المستشفيات العامة، بينما الاقتصاد الرأسمالي ترك القطاع الصحي للقطاع الصحي الخاص الذي يهدف للربح والربح فقط لا يحسب حساباً للطوارئ والأوبئة الطارئة لأنها مكلفة وليس لها ربح مضمون.
لقد كانت حكومتنا بخدماتها ورعايتها للمواطنين العالقين بالخارج سواء للسياحة أو الدراسة (حتى عودتهم للمملكة) وأسكنتهم في أرقى الفنادق كضيوف على الحكومة ودون تحميلهم أي مصاريف مع متابعة أحوالهم من قبل السفارات السعودية يومياً وتلبية احتياجاتهم حتى تم جدولة رحلات عودتهم للمملكة بطائرات خاصة مجاناً واستضافتهم فترة الحجر عند قدومهم للمملكة بالمستوى نفسه حتى تم إيصالهم إلى بيوتهم دون تحميلهم ريالاً واحداً. ليس هذا فحسب بل عالجت واستضافت الحكومة المقيمين بالمستوى نفسه ولم تطالبهم بأي مقابل كما فعلت الدول الغنية التي تخلت عن مساعدة مواطنيها بالعودة أو تكاليف العلاج، وهناك دول غنية طلبت من مواطنيها دفع تكاليف التذاكر، وأخرى أنهم لم يتمكنوا من شراء التذاكر، يذهبون للجمعيات الخيرية بالخليج لمساعدتهم لشراء التذاكر!!
كما قامت الحكومة بدعم الاقتصاد وبشكل كبير وكذلك دعم القطاع الصحي، لقد علمتنا الجائحة أننا بلد الخير وأن بلادنا -ولله الحمد- لديها خدمات تفوقت بها على دول العالم الأول، كما أثبتت كفاءة أجهزتنا الطبية بل وكفاءة أطبائنا حتى المتواجدين في دول العالم الأول بما قدموه من خدمات متفوقة. كما أثبت الجائحة تقدمنا التقني واستخدامنا الأمثل لها في التوعية وإيصال المعلومات الصحية وحجز المواعيد والفحص وتقديم النتائج. كما أثبتت الجائحة تقدمنا التقني في المجالات كافة بما في ذلك استخدامه في التعليم عن بعد ونجاحها في ذلك.
لقد كان للمملكة دور كبير (كرئيس لمجموعة العشرين) في التصدي للجائحة بالتعاون مع الدول الأخرى ومساهمتها المادية في الدراسات والأبحاث المالية لعمل لقاح للوباء، وتبرعت بمبالغ كبيرة لمنظمة الصحة العالمية، بل إن الحكومة في قرار خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أخيراً بصرف مبلغ 500 خمسمائة ألف ريال لذوي المتوفين بنتيجة الجائحة والقرارات الأخرى أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن المملكة دولة الإنسانية بحق.
يتفق الجميع على أن للجائحة جوانب اجتماعية وإيجابية، فقد عاد تجمع الأسرة بالمنزل بدلاً من الاستراحات، كما قام مواطنون بممارسة أعمال توقفت بسبب الجائحة كالحلاقة وكذلك الطبخ بالمنازل، كما أن للجائحة جوانب اقتصادية إيجابية لبعض الدول، فمثلاً الصين استفادت من صناعة المعقمات والكمامات بما يقارب 60 % من التجارة بهذه المنتجات بأكثر من 40 مليار دولار.
ومع ذلك لنبتعد بحذر كما يوصي أطباؤنا بالتباعد الاجتماعي، ولبس الكمامات، وغسل اليدين بالماء والصابون والابتعاد عن التجمعات.
ختاماً، يجب علينا أن نشكر الله تعالى على نعمة الصحة والعافية، ثم أن نشكر قيادتنا على حسن إدارتها للجائحة، كما نشكر أبطالنا أبطال الصحة وجميع الجهات المشاركة والتي أدت عملها بكل أمانة وإخلاص
باختصار: -
- نتمنى مشاركة مراكز الأبحاث والجامعات السعودية ومدينة الملك عبد العزيز ومدينة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والمراكز العالمية في أبحاث الأدوية واللقاحات وتقييم ما يتم التواصل إليه لضمان سلامته.
- لقد أحسنت الجهات المختصة بجعل التعليم عن بعد مما ساعد على عدم انتشار الوباء.
- بحمد الله نسبة التعافي بالمملكة بلغت 96 % وهي من أعلى النسب في العالم نتيجة جهود المملكة في المكافحة والاحترازات.
- الاقتصاد السعودي -ولله الحمد- ثاني أفضل اقتصاد من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم بنسبة انكماش - 7.0 % فقط، وبأنه بعد الاقتصاد الصيني الذي انكمش بنسبة -6.8 % وذلك خلال ذروة الجائحة. وكانت الولايات المتحدة الأكثر انكماشاً بنسبة - 31.4 % خلال الربع الثاني من العام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019.
- تمت توسة مراكز العناية المركزة في المملكة بنسبة تفوق الـ 100 % في بعض المناطق.
وبالله التوفيق
** **
- عضو جمعية كتاب الرأي