أ.د.عثمان بن صالح العامر
إن الديمقراطية -في نظر الباحثين المختصين- فكرة يونانية غايتها إسناد السلطة السياسية للشعب، ولاتزال الكلمة تحمل الاشتقاق اللغوي الذي يدل على هذا الأصل، إذ أن كلمة «الديمقراطية» كلمة مركبة أصلاً من كلمتين يونانيتين «ديموس» أي الشعب و«كراتوس» أي الحكم، وجاء على لسان أحد زعماء الديمقراطية الأثنية ما نصه: (...لنا دستورنا الخاص بنا، لم نقتبسه من أحد من الجيران، فنحن قدوة لغيرنا ولا نحاكي الآخرين، ونظراً لأن نظام الحكم بيننا يتمثل في سيادة الأكثرية وليس الأقلية فقد عرف باسم الديمقراطية).
لقد بدأت الديمقراطية بتجربة بالغة البساطة تأخذ بها مدينة أثينا اليونانية، حيث كان يجتمع الشعب المعترف به كشعب من قبل منظري الديمقراطية الأثنية، لا هيئة منتخبة عنه، ولا طائفة أو طبقة، في جمعية شعبية تضم من تتوافر فيهم الشروط، وهي: «أن يكون مواطناً أثنياً حراً ذكراً يبلغ العشرين من عمره».
وتتولى هذه الجمعية سلطات البرلمانات الحديثة التشريعية، ومراقبة أعمال الحكومة.
أما رجال الحكومة أنفسهم وغيرهم ممن يشغلون الوظائف العامة كالموظفين العموميين، والقضاة، وقادة الجيش، والضباط، فيختارون بالانتخاب، حيث يتم انتخاب ضعف العدد المطلوب، ثم تجري القرعة بينهم لاختيار العدد المطلوب.
ومع مرور الأيام اكتسب الطرح الديمقراطي الجديد شعبية ومكانة قوية للغاية، وأصبحت الكثرة الغالبة من الأثينيين يعتزون كل الاعتزاز بنظامهم الديمقراطي، ويدعون غيرهم إلى وجوب الأخذ به، رغم وجود من يعارضه وينتقده من اليونانيين أنفسهم. وإلى لقاء في الأسبوع القادم لنكمل الحديث عن منتقدي النظام الديمقراطي من فلاسفة اليونان والسلام.