مها محمد الشريف
كلما انخفضت درجة الاستغلال، زادت الرغبة في الإنتاج، وعم الاستقرار، ولكن إذا كانت السياسات متهورة والمسؤولون المنتخبون يدركون جيداً أنهم سيظلون في السلطة لفترة مؤقتة، ولا يضمن إعادة انتخابه من البرلمانات والشعب، الأمر الذي يعني استغلالاً أكبر واستنزافاً أسرع لموارد الدولة، مما يدفعهم للتفكير في استغلال كل شيء الآن وقبل فوات الأوان، وأردوغان نموذج حي بدرجة عالية من الديماغوجية والكذب والتلاعب وخداع الجماهير وتضليلها بالشعارات والوعود الكاذبة، ويسعى إلى استغلال مقدرات الشعوب في الدول العربية، وشواغل أخرى إلى شرق المتوسط ومن ثم إلى إشعال إقليم كاراباخ.
تبعاً لذلك، كيف سيبرر الإخوان تدهور اقتصاد تركيا وسوء إدارة أردوغان؟، فهل بقي لهم أعذار يسوقونها لتمجيد هذا المنافق؟، على الرغم من وضوح كل ما سبق والفرق بين الديموقراطية التي كانت تعيشها تركيا والتحول الجذري منها إلى نظام ديكتاتوري مستبد، والعواقب الوخيمة التي صنعها هذا الرجل بداية من الكذب على شعبه في اقتصادهم وقوت يومهم، واستقالة صهره وزير مالية تركيا واللاعب الرئيس بحكومة أودوغان بالشأن الاقتصادي، أكد ذلك حجم الفوضى والخلل والمشكلات وهذا يدل على أنه تحول لديكتاتور يدير بلاده كأنها شركة عائلية في تباين واضح يجسد أكاذيبه عن انهيار الليرة، وحمل أمريكا هذه الكارثة بسبب فرض رسوم على الصلب وفي مرات أخرى اتهم الإمارات وبعض البنوك الأوروبية أنهم يضاربون على الليرة.
ولكن الآن انكشفت الحقيقة واتضح الكثير من الأسرار، بأن سبب انهيار الليرة أكثر من 25 في المائة هذه العام وأكثر من 100 في المائة من عام 2018 إدارته الاقتصادية الفاشلة التي سببها تسلطه السياسي وانفراده بالحكم خصوصاً بعد أن غير الدستور لتكون تركيا جمهورية رئاسية وليست برلمانية وألغى منصب رئيس الوزراء وأصبح هو رئيس الدولة ويرأس مجلس الوزراء. ونتيجة سياسة فاشلة لم تتوقف أزمات القطاع المالي في تركيا ولم تتوقف عند مديونيات البنوك التي تجاوزت نحو 6 مليارات دولار، بحسب بيانات هيئة التنسيق والرقابة المصرفية التركية. بل تسارع الشركات العاملة في تركيا تباعاً في إغلاق فروعها بأنقرة، وذلك يفسر وقع الإفلاس الذي يقدر بـ15400 شركة أعلنت إفلاسها، فالعوامل الخارجية هي الأحداث التي تطرأ على البيئة المادية المحيطة بالفرد والتي لا يمكنه السيطرة على نتائجها بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتؤثر هذه الأحداث في الاقتصاد بشكل عام وتحدث بالقدر المتوقع، فإن هذا الإعداد المؤسسي لن يقضي على النزعة القائمة على المصالح الذاتية لمحتكر القانون والنظام بما يحقق المزيد من الاستغلال فهو يميل فقط إلى جعل استغلاله أكثر أهمية وأقل بعداً في النظر ومسرفاً في استنزاف اقتصادي للموارد، يفتقر هذا الرئيس إلى الفهم الكامل بأن انخفاض الاستثمار الداخلي يعني التسليم بمستقبل غير سعيد لاستمراره، لذلك بدا تخبط الإقالة والتعيينات، حتى لو عوض أردوغان صهره بمنصب آخر كمستشار للرئيس أو نائب له.
فإن هذا لن يمحو حقيقة أن الرئيس أصبح اليوم في أزمة، وخاصة بعد ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في تركيا حيث قفز إلى 4.396 مليون فرد، بنهاية أكتوبر 2019، عندئذ سيكون هناك تفسير ضد تفسير آخر، بعد أن انفض عنه جميع من كانوا معه من قيادات حزبه، قد يصل الخلاف إلى قمة الهرم السياسي، مما سيكون له تداعيات جسيمة على استقرار حكم أردوغان، وما الذي يمكنه القيام به حيال هذا الوضع المتأزم؟
تدهور على إثره اقتصاد البلاد إلى أدنى مستوياته، وهبوط الليرة وما وصلت إليه، ووفقاً لبيانات وكالة «بلومبرغ» للأنباء فقد تراجعت الليرة بنسبة 0.9 في المائة إلى 7.8692 ليرة لكل دولار، لتفقد العملة التركية أكثر من 24 في المائة من قيمتها هذا العام.