عطية محمد عطية عقيلان
منذ الأزل مارس الإنسان الرسم والنقوشات للتعبير عن طريقة عيشهم والدلالة على حياتهم وحضارتهم، وتطور عبر الزمن والتقنية بالتصوير بالأبيض والأسود إلى الاحترافي مع الدقة في نقل الواقع والأشخاص والأحداث، وشهدت نقلة سريعة ومنافسة بين مختلف المصنعين لإنتاج كاميرات بتقنية عالية وسهلة الاستخدام حتى غدت في هواتفنا نصور بها اللحظات والمناظر الطبيعية التي تعجبنا، بل ظهرت برامج تحسين الصور من خلال فلاتر تضيف عليها جمالاً وتدل على التاريخ والوقت والمكان ونجتهد في استخدام الفلاتر المناسبة لتكون صورنا وأحداثنا ومناسباتنا تظهر بشكل أفضل خاصة عند التصوير في المستندات الرسمية كالجواز والرخصة... الخ، بل نلجأ إلى مصورين محترفين لاستخدام أحدث التقنيات لإزالة الشوائب وآثار الزمن على وجوهنا لتكون الصورة في أحسن منظر.
وكان فصاحة اللسان والقدرة البلاغية على التعبير هي من الصفات التي امتاز بها العرب ونقلوا إرثهم التاريخي وقيمهم وحضارتهم من خلال الشعر والقصة واختيار الكلمات الجمالية والتعابير حتى ذاع صيت الشعراء وكان لهم حظوة بما يمتازون به من القدرة الشعرية وبلاغة التعبير والوصف ويقربوا ويقدموا في الصفوف الأمامية بالمجالس ورسمت صورة مثالية عن هيئتهم تختلف كثيراً عن حقيقتهم حتى أن كثير عزة وهو أحد شعراء العصر الأموي دخل على الخليفة عبدالملك بن مروان وكان قصير القامة نحيل الجسم فقال عبدالملك أنت كثير عزة قال نعم فقال إن تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه «وهذا مثل يضرب عند اختلاف سيرة الإنسان وسمعته عن شكله» فرد عليه كثير عزة يا أمير المؤمنين كل عند محله رحب الفناء شامخ البناء على السناء، فكانت فصاحة لسانه هي من تجمله وهي الفلتر الحقيقي المعبر عن جمال ورقي روحه بما ينطقه. ونحن نجتهد في هيئتنا وملابسنا واختيار أفضل اللقطات والصور واستخدام الفلاتر لتكون مثالية وجميلة بل نمسح الصور التي لا تعجبنا، ولكننا نمارس التجاهل عند التعليق أو الحديث أو النقاش ولا نزن كلامنا أو نفلتره باستخدام التعبيرات الهينة اللينة التي تفتح القلوب وتؤنس الحديث وتجمل الحوار، نغضب فتظهر كلماتنا كالرصاص ننسف كل حب أو صداقة لأننا لا نفعل فلاتر الكلام، علماً أن ثقافتنا مليئة بالأمثال والقصص التي تحظ على حفظ اللسان وكما يقال اللسان سيف قاطع لا يؤمن حده والكلام سهم نافذ لا يؤمن رده وكما يقال (الكلام اللين يغلب الحق البين) ولا شيء يخترق القلوب كلطف العبارة وبذل الابتسامة ولين الكلام وسلامة القصد ونقاء القلب وغض الطرف عن الزلات، فحذاري أن يسبق لساننا عقلنا ولنفعل الفلاتر ونحدثها بكل جديد عند اختيار كلماتنا حتى تصبح عادة لدينا في قول أفضل العبارات ونتعود على الهدوء في النقاش وهذه تحتاج إلى تمرين وصبر ومثابرة حتى تغدوا من صفاتنا، وسنجني ثمنها في حياتنا بعلاقتنا مع من حولنا وإحاطتها برابط الألفة والحب وإضافة مزيد من الهدوء والمتعة والارتياح وبفائدة نفسية ورضى وتقوية روابطنا وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه البر شيء هين وجه طليق وكلام لين.