د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
تحدَّث صاحبكم في بعض صفحاته الرقمية عن رفضه مصطلحي «تابع» و«متبوع» كما جرى توظيفُهما في مواقع، واستُبدلت بهما - في مواقع أخرى - مفردة «مشترك» أو « صديق»، وهما أجملُ إيقاعًا، والأساسُ هنا هو المعنى المعجميُّ في القاموسين العربي والإنجليزي؛ إذ ليس فيهما معنى المثاقفة أو المشاركة أو المساواة؛ فالتابع يسير خلف المتبوع أو يراقبه، وكلاهما ذو دلالةٍ سالبةٍ تمسُّ القرار والرؤية المستقلتين، وفي قصة سيدنا موسى مع «الخضر» -عليهما السلام- توصيفٌ لموقف التابع المطلوبِ منه الطاعةُ المطلقةُ وعدمُ السؤال أو الاعتراض، ومن ثم الافتراقُ عنه إذْ أبدى اختلافَه، وهذا خاصٌ بالباحث عن الرشد الإلهيّ؛ {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (الكهف).
** ولنعدْ إلى «مفردات ألفاظ القرآن للعلامة الراغب الأصفهاني»، توفي عام 502هـ: (يقال تبعه وأتبعه: قفا أثره وذلك تارةً بالجسم وتارةً بالارتسام والائتمار، وعلى ذلك قوله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة)، {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} (يس)»...»، ويقال: أتبعه إذا لحقه، قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} (الشعراء ....الخ) ص 162 - 163)، وقال صاحبُ «الكُليّات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية «لأبي البقاء أيوب بن موسى الحُسيني الكَفَويّ- توفي 1094»: (واتّبعه سار خلفه «...» وفي قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}: قرأ نافع بالتخفيف وقُرئ بالتشديد) ص 35، وفي «معجم ألفاظ القرآن الكريم» الصادر عن مجمع اللغة العربية: {تَبِعَ هُدَايَ}: سار عليه، تبعك: سار في إثرك ص 184)، وفي معاجم اللغة الإنجليزية ما يوازي هذه المعاني، وبعضها يقول نصًا: سار خلفه حيث يسير.
** وبعد؛ فالملاحظ أننا ناؤُون عن تبعية الاهتداء، وهي حقُّ الله سبحانه ورسوله عليه السلام، إلى تبعية الاقتفاء، وهي شأنٌ بشري، وبدا أن ثمة قبولًا لهذا المصطلح (تابع- متبوع)؛ فبعضُ المتابَعين صدَّقوا، ومعظم المتابِعين صفَّقوا، وتورم المتبوعون إلا نادرًا، وتسطح التابعون إلا قليلا، ورفض غيرُهم أن يَتبَعوا أو يُتبعوا، وانتقلت عدوى «التبعية إلى برامج الإذاعات الخاصة؛ فبدلًا من أن يخاطَبَ المستمع والمستمعة خُوطب التابع والمتابع، وهي عبوديةٌ وسلطويةٌ ثقافية لم نعهدها ونأمل ألّا يُكتبَ لها انتشار».
** ثمة سقفٌ للعلاقات بكل ما فيها ومن فيها؛ فحتى البرُّ المؤصلُ شرعًا قد يقتضي الرفض مع التأكيد على جميل التعامل، والأمرُ أيسرُ في سواه، ورفضُ «الأبوية» الثقافية منطقٌ تأصيليٌ، ومنطلقٌ تفصيليٌ، ولعل الإعلاميين الرقميين يعُون أن بإمكانهم الترقيَ في مساحات التأثير إذا تجاهلوا ثلاثية «الإعلان والرقم والشهرة»، ويذكر أنه دُعيَ لمناسبةٍ لم يدرِ أن المدعوين فيها نجومُ الإعلام الرقمي، وتحاور مع من ربطه به جوار، وأيقن أنَّ الثلاثية - وهي أُحاديةٌ في حقيقتها لإفضاء عناصرها إلى بعضها - تمنعُ من سكنه الوعيُ من الإيغال في السراب حيث لا ماء، وفي الفراغ حيث لا انتماء.
** الوراءُ خواءٌ واختباء.