بكري عساس
حين ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي لأول مرة رأى فيها العقلاء فرصة حقيقية لتعزيز الوعي المجتمعي، وتوثيق التواصل الاجتماعي، وإتاحة الفرصة للمواهب المدفونة لتجد سبيلها إلى أعين المتلقين وآذانهم.
وقد قامت هذه الشبكات بهذه الأدوار الإيجابية بشكل جيد إلا أن نسقًا سلبيًّا بدأ يتسلل إليها، ويعلو صوته يومًا بعد يوم.
هذا النسق الشاذ حوّل هذه التقنية العالية إلى مستنقع رديء للسباب والشتائم والتشهير والإساءة، بدلاً من أن تكون روضة غناء مليئة بكل معجب مطرب.
والموصول اليوم بهذه الشبكات يلحظ تناميًا مزعجًا للاستهتار بحرمات الناس وأعراضهم، وتسارعًا مقيتًا لتلقُّف الإشاعات، ونشرها دون تحقق ولا تثبُّت.
تساءلت: ما الذي يحمل شخصًا طبيعيًّا على أن ينتحل اسمًا مستعارًا، ثم يتتبع الناس من المسؤولين وغيرهم فيشتم هذا، ويسب ذاك، ويتهم الثالث، ويروّج إشاعة عن الرابع؟
ما الذي يجعله يتتبّع كل سقطة فيطير بها فرحًا، فإذا لم يجد اخترع من عند نفسه سقطات، ووزعها على الناس كما يحلو له؟
كيف يرتضي مؤمن بالله واليوم الآخر أن يخوض خوضًا في النميمة والغيبة والبهتان، وهو يقرأ قوله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}؟
كيف لمن يتلو في قرآنه: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} أن يختار في قوله القبيح المرذول؟
كيف لمن قال له ربه: {فَتَبيَّنُوا} أن يكون أسرع شيء إلى نشر الأكاذيب؟
هل هي التربية؟ هل هو الانسياق وراء المجموع؟ هل هي الأنا الزائفة والبطولات الوهمية؟ هل هي العقلية المغلقة الملغمة بالأفكار الحدية؟
أسئلة كثيرة تستحق من عقلاء المجتمع ومفكريه ومربيه نقاشًا متأنيًا، ودراسة فاحصة.
قد يكون هذا المسيء جانيًا، وقد يكون ضحية!
وفي الحالتَين هو أنموذج مَرَضي غير مُرْضٍ؛ يجب أن تمتد إليه أيدي المصلحين علاجًا أو بترًا.
أرجو ألا يفهم أحد أني أضيق ذرعًا بالنقد والتوجيه؛ فتلك مزية للمجتمعات الحية، تزيدها صحة وعافية.
الإشكال هو في تجاوز حدود الأخلاق، وكسر قيود الآداب، وانتهاك الحرمات، واصطناع قاموس البذاءات.. إنها سلوكيات سيئة مريضة، ولو حاول أصحابها إلباسها ثوب (الإصلاح) و(النقد).. والله لا يصلح عمل المفسدين.
دخل رجل على الخليفة عبد الملك بن مروان، وقال: سأهمس لك بأمر.
قال: اهمس، ولكن لا تكذب ولا تغتب ولا تنافق.
قال: إذن اسمح لي بالانصراف.