عبدالعزيز السماري
جاءت نتائج الانتخابات الأمريكية لتؤكّد التغيير، والخروج إلى مرحلة جديدة، وإلى استثناء آخر في القاعدة الأمريكية، فالرئيس القادم كاثوليكي في دولة تعاقب على حكمها رؤساء بروستانت فيما عدا مرحلة جون كنيدي، والاستثناء الآخر هو فوز امرأة كنائب للرئيس، وأصولها إفريقية هندية، وقد يوحي هذا القبول بأن الولايات المتحدة تخرج من ثوبها القديم، وقد يفسر ذلك موقف الرئيس ترامب من هجرة المسلمين، ودخول المكسيكيين غير الشرعي، واعتبار تلك الهجرات خروجاً عن المنطق المسيحي الأبيض، والوعد الإلهي -كما يقولون - للشعب المختار «الأبيض»..
ويمكن تفسير ذلك لأن البيض، وبخاصة البروتستانت الأنجلو ساكسونيون البيض، أو WASPs، هم المجموعة العرقية والثقافية المهيمنة، ووفقًا لعالم الاجتماع ستيفن سيدمان، الذي يكتب من منظور النظرية النقدية، «تشكِّل الثقافة البيضاء الاتجاه العام للثقافة، مما يتسبب في أن تكون الثقافة غير البيضاء يُنظر إليها على أنها «منحرفة»، سواء بطريقة إيجابية أو سلبية. علاوة على ذلك، يميل البيض إلى التمثيل بشكل غير متناسب في مناصب قوية، ويسيطرون تقريبًا على جميع المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية في البلاد.
ومع ذلك، وفقًا لسايدمان، غالبًا ما يكون البيض غير مدركين لامتيازهم والطريقة التي لطالما كانت ثقافتهم مهيمنة في الولايات المتحدة، لأنهم لا يُعرّفون بأنهم أعضاء في مجموعة عرقية معينة ولكنهم يرون بشكل خاطئ وجهات نظرهم وثقافتهم على أنها غير عنصرية، في حين أنهم في الحقيقة إثنية قومية ثقافية محددة، مع مكون أساسي عرقي.
لذلك كانوا لا ينظرون إلى موقفهم ضد الآخر على أنه عنصري، وهو موقف القوي والمنتصر، ولكن المختلف في الانتخابات الأخيرة أن الآخرين أطلقوا صفات العنصرية ضد إدارة ترامب، وكان ذلك أحد محاور انتصار الديموقراطيين، والذين أجادوا استغلال هذا الموقف وتحقيق الفوز.
إطلاق صفة العنصرية على مرحلة ترامب هو إدانة غير معلنة للثقافة الأمريكية البيضاء، والتي كانت وما زالت تعامل الآخرين على أنهم مواطنيون أدنى، لكن يبدو أن هناك تغييراً قادماً، فالانقسام بين الأثنيات والأعراق غير البيضاء وأمريكا البيضاء بدا جلياً خلال الانتخابات الأخيرة، وهو تغيير ثقافي وسياسي..
الخلاصة أن الخوف من ارتفاع نسب الأقليات كان واضحاً في فترة ترامب، لأنه حسب موقفهم يهدِّد وجه أمريكا البيضاء، ويعني احتمال تحولها إلى دولة متعدِّدة الأثنيات والأديان، وهو تنبوء مبكر، لكن حدوث تغيير في المستقبل ممكن للغاية، ومن ثم خروج أمريكا من عصبة الأثنية البيضاء البروستانتية، والتي تحمل لواء الصهيونية كعقيدة، وهو ما يعطِّل أي حل سلمي عادل في الشرق الأوسط، فالأحداث تُدار من خلال قراءات توراتية للمنطقة، والأمل أن تتغيَّر أمريكا إلى دولة متعدِّدة الأثنيات والأعراق والأديان، وتخرج من دولة العقيدة الواحدة..