محمد سليمان العنقري
منذ بداية العام الحالي والمشهد يزداد قتامةً لدرجة أن العالم بات يشعر أنه في نفق مظلم لا نهاية له بسبب جائحة كوفيد 19 وما خلفته من تداعيات اقتصادية كارثية أدت لحدوث ركود اقتصادي عالمي ودمرت قطاعات اقتصادية عديدة، وتسببت بفقدان ملايين الوظائف وزادت من حجم الطبقات الفقيرة وبعثرت جهوداً دولية امتدت لعقود في محاربة الفقر، والأهم من ذلك هو الأثر الصحي على البشرية حيث تجاوزت الاصابات حاجز 50 مليون اصابة، وتسببت بأكثر من مليون حالة وفاة، ورغم ان عشرات الشركات المختصة بالابحاث الطبية تعمل على مدار الساعة لايجاد لقاح يتصدى لهذا الوباء ورصد لذلك مليارات الدولارات الا ان النتائج كانت تتركز على منح الأمل دون ظهور ما يمكن اعتباره نتيجة مطمئنة رغم انتقال العديد من الابحاث لمرحلة متقدمة من التجارب السريرية.
وفي ظل هذه الظروف وضعت تقديرات حذرة ومتحفظة في توقعات عودة النشاط الاقتصادي للنمو رغم اعتماد اكثر من 11 تريليون دولار لمواجهة هذه التداعيات من قبل كبرى اقتصادات العالم خصوصاً من دول مجموعة العشرين ، لكن أملاً ظهر يوم الاثنين الماضي عندما اعلنت شركة فايزر الاميريكية احد اكبر شركات الادوية في العالم ان تجارب المرحلة الثالثة للقاح الذي تعمل عليه اظهرت فاعلية بأكثر من 90 بالمائة، بعد ان اجرت تجربتها على نطاق واسع وصل إلى 44 ألف متبرع في خمسة دول بما فيها اميركا وهو ما يعد نتيجة تفوق التوقعات، حيث يشير المختصون إلى أن الموافقة على ترخيص اللقاحات يتطلب تحقيق فاعلية تقارب 60 بالمائة مما أعطى أملاً كبيراً بأن النور قد بدأ يظهر آخر النفق، فبالرغم من اعلان شركتين من روسيا وايضا شركات من الصين انهم قد توصلوا لنتائج متقدمة في نجاح اللقاحات التي يعملون عليها واخذ التراخيص للانتاج الا ان المعايير التي تثبت سلامة هذه اللقاحات وفاعليتها ما زالت تحت الاختبار وقياس معايير اعتمادها، اذ لم يتفاعل العالم مع اخبار تلك اللقاحات بخلاف ما حدث مع اخبار لقاح شركة فايزر، حيث ارتفعت الاسواق المالية العالمية بنسب عالية وكذلك اسعار النفط وانخفضت اسعار الذهب الذي يعشق الاحداث السيئة حيث شكل ملاذاً آمناً خلال الفترة الماضية.
فشركة فايزر ذات الموثوقية العالية كونها ذات تاريخ طويل من النجاح في صناعة الأدوية وتتجاوز قيمتها السوقية حاجز 200 مليار دولار، مثلت تحولاً جذرياً في النظرة لحالة تفشي الوباء ومدة بقائه جاثماً على صدر الاقتصاد العالمي، حيث اعتبرت منظمة الصحة العالمية ان هذا النجاح والانتقال لإنتاج اللقاح وتوزيعه سيؤدي لتغير كبير في انتشار الوباء والسيطرة عليه بحلول مارس 2021 م، فهذا التحول الكبير في النظرة للوباء واحتوائه ليصيح مرضاً يمكن التصدي له سيغير قريباً في توقعات نمو الاقتصاد العالمي وتقديرات كبرى المؤسسات الاقتصادية العالمية للافضل، ويسرع من عودة الحياة الطبيعية مما يعيد كافة الانشطة الاقتصادية لطبيعتها سريعا خصوصا بقطاعات الطيران والسياحة والعديد من الخدمات التي تعطلت وأدت لنتائج سلبية كبيرة بالعالم الذي يعيش بعض دوله موجة ثانية أدت لمعاودة إقرار اقفالات جزئية خصوصاً في اوروبا بينما تتحوط دول عديدة لمنع عودة موجة ثانية لها، فيما يأتي خبر نجاح لقاح فايزر ليعزز الثقة من جديد بقرب انتهاء هذا الكابوس الذي يسيطر على العالم والقرارات على كافة الاصعدة منذ بداية العام الحالي.
خسر العالم أكثر من خمسة تريليونات دولار حتى تاريخنا الحالي بسبب جائحة كورونا الا ان النور بدأ يظهر بقرب الوصول لنهاية هذا الطريق المظلم والأمل بتحقيق انتاج وتوزيع واسع لهذا اللقاح وما سيتبعه من نجاح شركات أخرى ليكون المشهد القادم متركزاً على عكس التوقعات المتفائلة حيث سيكون الاثر ايجابياً بمعدلات كبيرة على نمو الاقتصاد العالمي، حيث ستسارع الدول والشركات لتعويض ما خسرته في العام 2020 بزيادة وتيرة النمو الاقتصادي الذي ستتغير توقعاته لارقام اعلى مع اعتماد اللقاح والبدء بانتاجه خلال الفترة القصيرة القادمة اي في أواخر هذا العام خلال الشهرين الحالي والقادم كتقديرات اولية والتي تعد فترة قصيرة قياساً بالمخاوف السابقة التي كانت التوقعات فيها تشير انه لن يكون هناك لقاح قبل منتصف او نهاية العام القادم أو الذي يليه.