عبدالوهاب الفايز
حملة الانتخابات الأمريكية التي بدأت بالأحداث الصاخبة وتستعد الآن لفصل من الأحداث المثيرة بعد إصرار الرئيس ترمب على تقديم الشكاوى إلى القضاء، هذه الحملة الرئاسية التي تقدر تكلفتها بحدود 14 مليار دولار، حظيت باهتمام عالمي واسع، وجعلت أمريكا أكثر انقساماً وأقل تسامحاً، وقدم الخلاف حول آلية التصويت حالة مؤسفة للديمقراطية، وطبيعي أن تستقطب الانتخابات كل هذا الاهتمام لمكانة أمريكا الكبرى سياسياً واقتصادياً، فالرئيس ترمب دشن حقبة الحرب الباردة الجديدة في هذا القرن، فالحكومة الأمريكية استنفرت قواها السياسية والاقتصادية لمواجهة الصين، وروسيا، وأوروبا، وحتى المنظمات الدولية!
هذه الحرب الباردة الجديدة مع الصين استقطبت كل القوى السياسية خلف الرئيس، فالذين خالفوه في كل الملفات أيَّدوه في موقفه المتشدد مع الصين، وهذا يعني أن أمريكا تتجه إلى مرحلة فرز للمواقف السياسية، للاصدقاء وللحلفاء، وطبقًا لهذا التصور سوف تبني أمريكا قائمة لمن هم: معها أو ضدها، في مواجهتها مع الصين.
أمريكا لن تتقبل بسهولة أن تكون في المرتبة الثانية في القوة الاقتصادية بعد الصين، ولن يتجرأ السياسيون للاعتراف بهذا الواقع الجديد، بل يستغلون هذا التحول للتعبئة السياسية الشعبوية.
الذين يتحدثون علنا عن تراجع القوة الأمريكية هم المشتغلون في الفكر السياسي والاقتصادي، وبدأت كتبهم تشير إلى ذلك منذ سنوات، وربما هذا يفسر تأييد المؤسسة الإعلامية والفكرية الليبرالية للرئيس ترمب في سياساته ومواقفه تجاه الصين، رغم اختلافهم الشديد معه على كل الملفات المحلية.
هذا الوضع الضبابي في علاقات القوة بين أمريكا والصين سوف يجعل تحركات أمريكا مضطربة ومرتبكة في عدة مناطق من العالم، وسوف تعود إلى سياسة بناء التحالفات الحادة: معنا أو ضدنا مما يجعل العشر سنوات القادمة حافلة بعدم الاستقرار والتصعيد، وستكون مرحلة تحول تاريخية خطيرة.
ثمة مؤشرات لهذه المرحلة. أستاذ السياسة في جامعة هارفرد غراهام أليسون، صاغ (نظرية فخ ثوسيديديس)، وتوسع في طرحها في كتابه (الاتجاه إلى الحرب)، الذي نشر عام 2017، يتوقع أليسون أن الصين والولايات المتحدة في مسار تصادمي يأخذهما إلى الحرب، ويرى أن التاريخ شهد قيام 16 قوة عظمى وأخرى صاعدة، وخلال الألفي عام الماضية نشبت 14 حالة حرب مدمرة.
طبعا هذه النظرية مازالت محل خلاف في الحقل الأكاديمي، ولكنها تستخدم كأداة لتفسير طبيعة العلاقة المتوترة بين أمريكا والصين، والرئيس المنتخب بايدن لن يبتعد كثيرا عن سياسات الرئيس ترامب تجاه الصين، فتراجعه عن المواجهة أو تساهله سوف يستغله خصومه الجمهوريون مما يجعله في موقع المساومات السياسية المرهقة، خصوصًا أن لديه ملفات محلية ساخنة وضعها في قائمة برنامجه الانتخابي، بالذات رفع الضرائب على الاغنياء وإصلاح النظام الصحي.
المؤكد أن فترة الرئيس بايدن لن تكون مريحة، فالصراع السياسي بين الحزبين سوف يجعل القضايا والتحديات الخارجية للسياسة الأمريكية موضع تجاذبات محلية، وهذا سوف يدفع بأمور تخص حكومات وشعوب بالذات في آسيا، لتكون في أولويات أجندة السياسة الداخلية الأمريكية، وهذا التدخل في الشؤون الداخلية للدول برز بحدة في الشرق الأوسط في العقدين الماضيين ونتج عنه تدمير العراق، وانفلات المشروع الإيراني وتوسع الجماعات الإرهابية مثل داعش والحشد الشعبي وحزب حسن نصرالله.
بالنسبة لنا في السعودية ليس لدينا ما يستدعي الترقب والحذر من الإدارة الجديدة لسببين رئيسين: أولا، السياسة السعودية الخارجية تبنى على المبادئ والأخلاقيات المستقرة التي تحترم مصالح الدول وشعوبها. ثانيا، العلاقات السعودية الأمريكية تقوم على العمل المؤسسي، وبايدن ابن المؤسسة السياسية التقليدية الأمريكية، وحتى الذين سيأتون إلى مواقع المسؤولية في إدارته من خارج هذه المؤسسة، بتصورات ذهنية سلبية عن المملكة، هؤلاء سوف تتغير مواقفهم بعد أن يدخلوا في المؤسسات.
حدث هذا التحول الإيجابي مع العديد من المسؤولين السابقين، سواء في الإدارات الجمهورية أو الديمقراطية.
الرئيس المنتخب في كلمته الأولى قال إنه (سوف يجدد احترام العالم لأمريكا). هذا هو المسار السليم لبناء العلاقات وتنمية المصالح بين الدول والشعوب، لا التهديد والغطرسة!.