علي الخزيم
صدر قرار ترقيته إلى مرتبة يُصنفها نظام الموارد البشرية بأنها وظيفة مدير، بمعنى أنه ربما يكون عند الحاجة مديراً لقسم أو شعبة أو مكتب وليس بالضرورة أن يكون حال ترقيته مديراً لأي شيء، لكن صاحبنا فرح بالترقية وغُمَّ بها من جانب آخر؛ إذ أن مسمى وظيفته الجديدة (مدير الأرشيف)! أقنع أهله وأسرته بسر التسمية، غير أن شلة الاستراحة لم تأبه بتبريراته وتفسيراته، وأخذوا - بمفهوم الشباب - يطقطقون عليه ويتندرون حين وقت المشاغبات الترفيهية بينهم تعليقاً على مسمى وظيفته، هم يتفهمون معنى إدارة الأرشيف لكنهم وجدوها فرصة لمحاسبته لقاء اختلافه معهم بميوله الكروية وما يتبعها من مناوشات أثناء سهراتهم لزوم التسلية وتزجية الوقت.
أكد لهم أن إدارته للأرشيف لم تأت من فراغ، فهو أرشيف غاية بالأهمية بالإدارة التي يعمل لها؛ فهو يضم نخبة من الموظفين ذوي الخبرة ولا يمكن دخول أحدهم بمفرده فكلٌ معه مفتاح قفل مختلف، ولن يفتح بابه اثنان إلَّا بعلم المدير، ويمنع منعاً قاطعاً دخول أي موظف لهذا الأرشيف؛ لأنه يحتوي وثائق ومستندات غاية بالأهمية فلا يجوز التعامل بها إلّا بإذن رسمي مختوم من صاحب الصلاحية، ناهيك عما أضيف إليها مع إحلال التقنية بنظام الأرشفة، كل هذا التفسير لم يقنع شلة الأنس بالاستراحة؛ بل بالغوا بمشاغبته حتى تحوَّل اسمه إلى (الأرشيف) إمعاناً بالتقليل من شأن منصبه حتى وإن كان مديراً! لكن بالواقع فإنهم يثقون به كثيراً وأسندوا إليه مهمة إدارة (قَطَّة) الاستراحة، مبررين بأنه لو لم يكن ثقة لما تم اختياره لإدارة هذا الأرشيف الهام جداً، إنما هي مداعبات تدل على مدى الترابط والمحبة بين الرفاق والأصحاب، وما تُكِنّه قلوبهم من صدق وصفاء لا يشوبه غش ولا أحقاد.
وكلمة (قَطَّة) مأخوذة من دلالات عربية فصيحة بمعنى النصيب، ودرجَت بين ألسن الناس بمعنى (كلٌ يدفع نصيبه أو ما عليه من المصاريف)، وقد تختلف اللفظة مع بقاء المدلول بين مناطق المملكة وعند سائر العرب، وكثيراً ما يتحاشى البعض نطق مفردات خشية عُجمتها وعند البحث عن مدلولاتها بالقواميس يتضح أنها من تراث أجداده ولا عيب فيها، ولكن العيب - برأيي - أن نستمر بإطلاق جمل ومفردات أعجمية أو كما يقال أجنبية على أقسام وإدارات وشعب بدوائرنا الحكومية كالأرشيف التي استبدلتها بعض الوزارات هنا بمسمى (الوثائق والمحفوظات) أو ما يماثلها، وكذلك على المحلات التجارية والمطاعم ونحوها، أو الأسواق الموسمية التي يُخطئون بتسميتها (مهرجان)، والعيب الأكبر أن نسمي مواليدنا بأسماء لا صلة لها بلغتنا الجميلة، بل ربما نكتشف فيما بعد أنها أسماء مُعيبة أو مُحَرَّمة المدلولات ولا تتماشى مع الأعراف العربية والإسلامية، أعود لمدير الأرشيف الذي لم يكسب من منصبه سوى تَنَدُّر الأصحاب ولم يسلم منهم حتى بعد تقاعده؛ فما زالوا ينادونه ويُدونون اسمه بقوائم هواتفهم بهذا الاسم الإداري، ولم يستسلم لهذا الأمر إلَّا حين أيقن أن أطفال أصحابه يرمزون له أو ينادونه ببراءة (عَمِّي الأرشيف).