فضل بن سعد البوعينين
تعرض نظام «الكفالة» في الخليج والمملكة على وجه الخصوص، لانتقادات حادة من المنظمات الدولية التي ترى فيه نوعًا من أنواع العبودية المستترة، ما يستوجب إلغاءه واستبداله بالأنظمة العمالية العالمية التي تعتمد العقود أساسًا لها، وتضمن في الوقت عينه حرية الانتقال المنضبطة والسفر وفق شروط التعاقدات الأولية، والحقوق المكتسبة بقوة النظام. الأكيد أن نظام «الكفالة» كشف عن تجاوزات غير إنسانية من قبل بعض الكفلاء، والتي لا تتوافق مع النظام أو الشرع، كما أنه أعطى الكفيل سلطة استثنائية جعلته متحكمًا بمصير العامل الذي يجهل حقوقه النظامية. تسبب نظام الكفالة خلال العقود الماضية بخلق سوق سوداء للتأشيرات، وأسهم في تفاقم أزمة العمالة السائبة، متسببة في كثير من المشكلات الأمنية والمجتمعية والخدمية، إضافة إلى تأثيرها السلبي على ملف التستر التجاري، وسوق العمل وتنافسيته وملف البطالة. وبرغم الانتقادات الحادة التي طالت نظام «الكفالة» إلا أن ذلك لا يمنع من وجود جوانب إيجابية فيه، وأحسب أن ما طاله من انتقادات ربما ارتبطت بممارسات بعض الكفلاء الخاطئة، لا مضمون النظام الذي كان متوافقًا مع احتياجات مراحل التنمية الأولى، غير أن التطوير والتغيير سنة الحياة، وما كان مقبولاً في فترات زمنية ماضية لا يمكن أن يتوافق مع متطلبات واحتياجات المرحلة الحالية، وبخاصة المعايير الدولية الصارمة، لذا جاءت مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، لتكون بديلاً لنظام الكفالة السابق.
يُعتقد أن المبادرة الجديدة ستسهم في خلق التوازن في سوق العمل ورفع تنافسيته وزيادة مرونته، وتمكين وتنمية الكفاءات البشرية، وتحسين بيئة العمل للعمالة الوافدة وخلق التنافس بينها، وتحقيق هدف شفافية العقود وعدالتها بين طرفي العلاقة التعاقدية، وجعلها أساس علاقة العمل والمرجعية القانونية، إضافة إلى الالتزام بالممارسات الدولية.
وبالرغم من إيجابيات المبادرة، وقبل ذلك أهميتها القصوى لتلبية متطلبات الأنظمة الدولية، إلا أنها لا تخلو من التحديات التي تحتاج إلى توضيح أكبر من الوزارة، ومعالجة بعضها حماية لسوق العمل وضمانة لاستقرار المنشآت خاصة في مراحل التطبيق الأولى التي تحتاج إلى مراقبة لصيقة ومراجعة دائمة تبنى على مخرجات التطبيق.
ومن أهم التحديات المتوقعة، تنفيذ المبادرة خلال فترة زمنية قصيرة إذا ما قيست بالالتزامات المالية والتشغيلية والإدارية والتعاقدية للمنشآت. كما أن البيانات الأولية تشير إلى أن العامل هو الكاسب الأكبر منها، في الوقت الذي خسر فيه رب العمل جميع الضمانات التي يمكن أن تحمي مصالح منشآته وتضمن لها الاستقرار، حتى مع وجود العقد الذي يبدو أنه لا يضمن استدامة العلاقة التعاقدية مع العامل الذي يقرر السفر أو الانتقال، خلال فترة سريان العقد!. وهذا يفتح باب التساؤل حيال تكاليف الاستقدام والتأشيرات وربما المديونيات الخاصة بالعامل، وعقود السكن وغيرها من الالتزامات، ما قد يعرقل عملية التخارج من عقد العمل مع وجود الالتزامات المالية المدفوعة سلفًا. عدم استقرار المنشآت؛ بسبب انتقال العمالة وارتفاع نسبة دوران العمل؛ من التحديات المتوقعة، إضافة إلى ارتفاع أجور العمالة الوافدة، وربما فرض رغبتها على المنشآت الملتزمة بعقود إنشائية وتشغيلية ملزمة. ومن المخاطر التي تخشاها بعض المنشآت، إفشاء سرية العمل والإخلال بالمنافسة بين المنشآت العاملة في القطاع نفسه والتأثير على العملاء والعقود التجارية.
قد تكون تلك التحديات ضمن اهتمامات الوزارة ودراستها المسبقة التي بنت عليها تشريعاتها الأخيرة، إلا أن من المهم النظر لتلك التحديات من خلال رؤية القطاع الخاص، ومعالجتها بتوازن يضمن إمضاء أهدافها، ويحد من انعكاساتها السلبية على سوق العمل، والقطاع الخاص الذي لم يخرج بعد من تداعيات جائحة كورونا المدمرة اقتصاديًا.