أ.د.عثمان بن صالح العامر
حاول بعض الكتاب العرب إرجاع «الديمقراطية» كفكرة وممارسة إلى التراث العربي القديم، مدَّعين أن الأبحاث التاريخية تدل على أن الشعب السومري الذي استوطن في السهل الرسوبي بجنوب وادي الرافدين منذ الألف الرابع قبل الميلاد شعب عربي، استطاع تحقيق النقلة المجتمعية البشرية الأولى من الحياة الاجتماعية البسيطة في القرية إلى الحياة الاجتماعية المعقدة في المدينة، ولازم هذه العملية الحضارية إقامة مظاهر المدينة من العلم والثقافة والعمارة وبناء الدولة لأول مرة في التاريخ.
وقد سن السومريون لدولة المدينة «الحاضرة» - حسب تعبير هؤلاء الكتاب - قوانين يتساوى عندها الجميع، وكان مُسَيِّروا الأمور يستشيرون الرجال الأحرار، لذا فهم أول من طبق الديمقراطية -على حد تعبير الإغريق-. ولا يسلم لهؤلاء الأدعياء هذا القول ذلك أن الباحثين مختلفون في مدلول كلمة سومرة، إذ قيل إن سومر اصطلاح جغرافي يدل على جزء من جنوبي بلاد الرافدين. وقيل (إن كلمة سومر هي نعت عقائدي لذلك الشعب القاطن في الأهوار ومنطقة الطوفان والبحر)، لذا فهي كلمة ليس لها مفهوم عرقي، ولا يزال الخلاف قائماً حول أصل السومريين، وأكثر التفسيرات رواجاً في الأوساط العلمية المختصة هو أن هذا الشعب قدم من خارج المنطقة، فربما أتى من جبال القوقاز في أواسط آسيا، وربما من أرمينيا أي من جبال إيران، وهناك من يقول إنه جاء من وادي السند في باكستان.
وقد توصل أحد الباحثين الأكراد في دراسته الخاصة بإشكالية أصل السومريين «اللغز» إلى أنهم عراقيون كرد أو انحدروا من عرق كردي. وليومنا هذا واللغز قائم، على الرغم من الجهود التي بذلت من أجل معرفة أصل السومريين، لذا فإن ما ذهب إليه البعض من أن هذا الشعب شعب عربي قول لا يستند إلى دليل مقبول، وينبع من منطلقات مذهبية تستخدم متجزئات من التاريخ والآثار لتأكيد مقولتهم، ومن ثم توظيفها سياسياً وفق إسقاطات معاصرة.
وعلى افتراض التسليم بعروبة الشعب السومري فإن نظام الحكم الذي أقاموا دولتهم عليه ليس هو «حكم الشعب»، «الديمقراطية» - حسب النمط الإغريقي- فالمساواة أمام القانون السومري، واستشارة الرجال الأحرار، وإقامة المجالس الشعبية الحرة، لا تضفي على نظام الدولة السومرية صبغة الديمقراطية. هذا ما تيسر عرضه في مقال اليوم وإلى لقاء في المقال الثاني بإذن الله والسلام.