عبده الأسمري
استشعر «المشاعر» فأبهج «الشعور، وأنتج «الشعر»، وحوّله إلى أنفاس للناس ونفائس للأنفس.. قرأ هموم «البسطاء»، واستقرأ غموم «البؤساء» فكان حسًّا بشريًّا. نظم «الأبيات» فنونًا في صروح «الأدب»، وسطر «الإثبات» متونًا في «محافل «الثقافة..
ابن بار لقريته، ومثقف سار لعشيرته، وسفير «فكر»، وزّع هداياه المعرفية بالتساوي بين السهول والجبال والشواطئ؛ ليقيم «أعراس» الكلمة في أرض المخلاف السليماني، ويسقي «بذور» الانفراد على «تضاريس» التنوع بعبير «المداد»، وتسطير «السداد».
إنه الشاعر والأديب محمد علي السنوسي - رحمه الله - شاعر الجنوب الشامخ، أحد أبرز المثقفين والأدباء والشعراء في الوطن والخليج..
بوجه حنطي اللون، «جنوبي» الملامح، «ألمعي» المطامح، مسكون بالنبوغ، وعينَين ناعستَين، تلمعان من خلف نظارة طبية لا تفارقه، ومحيا يلتحف البياض، مكتمل على أناقة وطنية، وجسد متوسط القوام، وصوت خليط من اللهجة الجازانية العميقة المتقاطعة مع اللغة البيضاء الفصيحة التي تتقاطر منها «إبداعات النصوص» و»اتساعات القافية»، وصوت جهوري محفوف بلكنة شعبية، تعكس «البساطة»، وتبرز «التواضع»، مع كاريزما «أدبية» فاخرة، قضى السنوسي من عمره عقودًا وهو يملأ آفاق «الرثاء» بالإبداع، ويسجع شؤون «الغزل» بالإمتاع، ويصف شجون «الحزن» باليراع.. يكتب القصيدة فتنطق «وصفًا»، وينسج النص فيستنطق «توصيفًا»
في حي المسطاح «الشهير» بجازان البذخة بزف النبلاء والفقهاء إلى ساحات «التميز».
وُلد وتعتقت روحه باكرًا بأريج «الفل» ونسيم «الكادي»، وشذى «الريحان» الذي كانت والدته تكمل بها أناقته المبكرة. وتفتحت عيناه على «أب» جمع الفقه والأدب، و«أم» اتسمت بالعطف والحب؛ فنشأ بين قطبين من الاقتداء والافتداء.
ركض صغيرًا مداعبًا المرح أمام مرسى «الميناء»، مستلهمًا «الفرح» في مواقف «الأوفياء»، مراقبًا الكدح في وجوه «البسطاء»، والمدح في دعوات «النبلاء»، موليًا قبلته قبالة المكتبات حيث عاقر «أمهات» الكتب في مكتبات العقيلي والبهكلي موجهًا بوصلته نحو صلة «الأرحام»؛ إذ كبر وفي وجدانه «سر» الدافعية، وفي مخيلته «جهر» المعية..
أطلق ساقيه للريح مرددًا الأهازيج الجازانية الشهيرة مع أقرانه مجددًا الأمنيات الذاتية الكبيرة التي غمرت روحه في ظل «أمتنان» استعمر عقله لرد «العرفان» للمكان الذي أنشد فيه قصائد الفجر، وللزمان الذي تجاوز فيه شدائد التفرد..
أرسله والده للكتّاب فتعلم على أيدي الشيوخ محمد الشماخي وعلي الفقيه ومصطفى هندي، ودرس القراءة والحساب، وانتقل بعد ذلك إلى كتّاب الشيخ عقيل حنين عالم الفقه والنحو؛ ليكمل طريق «المعرفة»، ويرصف جسور «الأمنيات» نحو دروب «العلا»..
ولأنه مسكون بالبر فضّل مساعدة أسرته مبكرًا؛ إذ عمل بالجمارك عام 1363، وعُيّن مديرًا لها بعد عشر سنوات، ثم ترأس بلدية جازان عام 1385، وأُحيل للتقاعد بناء على طلبه عام 1388؛ ليتفرغ للثقافة، إلا أنه عاد لبوابة الوظائف عام 1392؛ إذ عمل مديرًا لشركة كهرباء جازان لمدة ثلاث سنوات؛ ليعود بعدها للركض حرًّا من قيود الوظيفة لممارسة فنون الشعر والتأليف.
برع السنوسي في سن مبكرة؛ إذ ألّف أولى قصائده وعمره 16 عامًا، وكانت بعنوان «المدرسة» التي اختيرت لتكون في كتاب المطالعة المدرسية لطلاب المرحلة الابتدائية، وذلك عام 1365هـ. واهتم السنوسي بالنثر؛ إذ قدم للإذاعة السعودية العديد من الموضوعات والبرامج.
أصدر السنوسي دواوين مطبوعة عدة، وقام النادي الأدبي بطباعة أعماله الشعرية في كتاب واحد بعنوان المجموعة الشعرية الكاملة، تحتوي على خمسة دواوين شعرية. وتعد مكتبته مرجعًا أدبيًّا وشعريًّا، وقد وصى - رحمه الله - بإهدائها إلى جامعة الملك عبدالعزيز؛ ليستفيد منها الباحثون وطلبة العلم.
حصل السنوسي على مجموعة من الجوائز والميداليات، منها الميدالية الذهبية للريادة الأدبية، وشهادة براءة في مشاركته في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول، وميدالية المتنبي من وزارة الثقافة العراقية. كما ترجمت بعض قصائده إلى اللغة الإيطالية، وبعضها كان مجالاً خصبًا للبحث والدراسة.
أسهم السنوسي مع المؤرخ محمد بن أحمد العقيلي عام 1395 في تأسيس نادي جازان الأدبي الذي عمل فيه نائبًا، ثم رئيسًا لفترة من الزمن.
انتقل السنوسي إلى رحمه الله في شوال 1407 بعد معاناة طويلة بسبب مضاعفات مرض السكر.
وبعد رحيله، وعرفانًا من المنطقة بابنها وسليلها الذي أفنى زهرة شبابه في خدمة الثقافة والأدب، فقد تم إطلاق اسمه على إحدى مدارسها الكبيرة، وتنظيم جائزة شعرية باسمه.
محمد علي السنوسي «الشاعر» الماهر في إنتاجه، والإنسان الباهر في أخلاقه.. عاش قريبًا من الجميع، متقاربًا مع الكل، متآلفًا مع المثقفين، متحالفًا مع المؤلفين.. إذ رسم المشهد «المختلف» من الإنتاج الشعري والنتاج المنبري بأسلوب مستحق له، وبإجماع متفق عليه.