سام الغُباري
قالوا إن «المؤسسات الدستورية» تحكم أمريكا، وليس الرئيس!، لكن الذي يجري اليوم يؤكد أن الرئيس الذي يمثل «مؤسسة واشنطن» فقط أهم من المؤسسات ومن البلد ومن الحلم الأمريكي، وأنه كل شيء، في الاقتصاد والسياسة والحرب، في اختلاق العداوات واكتساب الأصدقاء، في تدمير دول وإشاعة فوضى، وأنه حين يقرر نيابة عن «آل البيت الأبيض» أن يكون «أهل الصين» أصدقاؤهم سيمنحهم الحق في استثمار كل شيء داخل بلاده بقوة الدولار والسياسة، وأنه إذا رأى أنهم يمثلون خطرًا عليه وعلى من يمثلهم في تجارتهم وأفعالهم، يستطيع أن يُحرك الجيوش الأسطورية ويضرب الصواريخ إلى عُمق بكين.
يمنح الرئيس المهاجرين الجنسية الأمريكية، ويحرم من يشاء بقرار تنفيذي تحت إمضائه، وقد يعفو عنهم ويُدخلهم في جلابيب رحمته.
يمثل الرئيس توجهات «مؤسسة واشنطن» التي تتحكم بالمال والإعلام والجيش والمصالح المترامية، ويؤدي الكونجرس دور المشرع، وعلى رؤوس الولايات يُسمح للحُكام اللعب في مربع البناء والتنمية والمنافع المرتبطة بالمواطنين، ليس أقل من ذلك ولا أكثر.
ترمب رجل شعبوي قاد حربًا شرسة على «مؤسسة واشنطن» التي تمنح ذاتها الحق الحصري بوراثة أمريكا بمن فيها من الديمقراطيين والجمهوريين، كانت بدايته عندما أوقع الإعلام في فخ رد الفعل باستخدامه منصة «تويتر» وقرر الإعلام مواجهته في انتخابات 2016، فعمد ترمب إلى استثارة الناس الذين ملّوا النخبة الفاسدة، وقدّم نفسه باعتباره «المنقذ» والمواطن العصامي القادم بطوفان الشعب إلى البيت الأبيض، وكان الإعلام ينقل تغريداته بدافع الفضول والسخرية والهجوم، لكنهم وفروا له بذلك مساحة طاغية في شاشاتهم نقلت رؤاه إلى الناس الذين أعجبوا به ثم انتخبوه، وتراجعت مؤسسة واشنطن إزاء هذه الصاعقة قليلاً إلى الوراء، وانتظروا ما الذي يمكن أن يقدمه الرجل غير المتوقع في الأوقات الحرجة، وكان ترمب مفاجئًا في تعامله العنيف تجاه المؤسسة العتيقة وإرثها، مستخدمًا النفوذ الرئاسي لتوفير الوظائف والتعامل مع العالم كرجل أمريكي بلا مساحيق!.
كان الاقتصاد صولجان الرئيس الأشقر الذي يفاخر به أمام الناس بضرائب أقل ووظائف أكثر وصفقات عالمية تجارية ضخمة حافظت على الحق الأمريكي في السيادة على مختلف المنافسين، وكانت المؤسسة بذلك تفقد قدرتها على التبرير لإيقاف المد الترامبي الشعبي، وظهر كورونا في العام الأخير لترمب دون سابق إنذار قادمًا من الصين مثل تنين بشع، ليصل إلى العالم وخصوصًا أوروبا وأمريكا، ورفع الإعلام الموجّه معايير الخطورة والفزع إلى أبعد مدى حتى مواعيد الإغلاق على الدول، وتضرر الاقتصاد بشدة، وفقد ترمب ورقته الأكثر نجاحًا رغم أنه وقف ضد مبدأ الإغلاق من أساسه، وركز الإعلام على تساهله باعتباره جريمة، وقال في وجوههم كلمته المشهورة «أن يموت الناس من المرض أفضل من أن يموتوا جوعًا»، وتراجع الاقتصاد واتهم سيد البيت الأبيض بالتقصير المريع في مواجهة كورونا الذي كان يصفه بـ»الفيروس الصيني» دلالة على أنه فيروس موجه لإسقاطه.
بعد انتشار الفيروس، وتضخيم خطورته التي لم تكن موجعة في بلدان عديدة في العالم، قرر الديمقراطيون إظهار منافعهم منه باعتماد التصويت عبر البريد فبذلك كانت أهم عملية لبدء التزوير الضخم كما يدعي الرئيس ترمب، ومع اقتراب موعد التصويت، سُئل ترمب: هل ستخرج من البيت الأبيض حال هزيمتك؟ ولم يُجب، كان يعي تمامًا أنهم يريدون جره إلى مربع الرفض، ليقولوا للناس ألم نقل لكم إنه سيرفض الخروج!، وجهز نفسه بتعيين قاضية جمهورية في المحكمة العليا، واستعد لمواجهة خسارته بفريق قانوني ضخم، وتركزت خطة الديمقراطيين على أساس التقارب الشديد في التصويت إن لم يتفوقوا على خطة الجمهوريين، وظهر ذلك جليًا، فكلما اقترب ترمب من حصد نتائج ولاية ما ظهرت بطاقات انتخابية صوت أصحابها عن طريق البريد ليستمر «بايدن» في طريقه للفوز!.
سيدخل بايدن إلى البيت الأبيض ليستريح أهل البيت من عنائهم، ويختفي كورونا كما ظهر، وتُرمم المصالح الاقتصادية... وإلى لقاء يتجدد.