عبدالرحمن الحبيب
مع تكثيف عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة جهودهم لمحاربة المعلومات المضللة في الأسبوع الذي سبق الانتخابات الأمريكية، وجد استطلاع أخير لمؤسسة لويدز ريجستر أن البالغين في جميع أنحاء العالم أكثر عرضة للقلق بشأن تلقي معلومات خاطئة (30 في المائة) أكثر مما يقلقون بشأن الاحتيال (24 في المائة) أو التنمر (16 في المائة) عند استخدامهم للإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي.
بدءاً من معرفة حالة الازدحام بالطرق صباحاً، إلى تذكير المواعيد وتحسين طرق العمل والطعام والصحة، تقوم أجهزة الاستشعار الموجودة في كل شيء من السيارات إلى المطابخ بإنتاج المزيد من المعلومات الشخصية بشكل كبير مع توسع «إنترنت الأشياء». هذه خدمات ذكية نافعة إضافة للتدفق المعلوماتي المفيد، لكن هناك من يحتكرها «إنهم لم يتخموا بعد.. فعمالقة التكنولوجيا لديهم عيون متلألئة جشعاً» حسب تعبير مجلة إيكونيميست التي تذكر أن استخدام البيانات الآن يمثل أكبر نشاط تجاري بالعالم؛ إذ أتي نحو 1.4 تريليون دولار من القيمة السوقية المجمعة البالغة 1.9 تريليون دولار لكل من ألفابات (مالك جوجل) وفيسبوك، من بيانات المستخدمين واستخدام الشركات لها، هذه القيمة دون حساب الأموال النقدية والأصول المادية وغير الملموسة وأعمال البحث والتطوير المتراكمة.
«أنا قلق جداً إزاء الضرر والتضليل الذي ينتشر» هذا ما قاله مخترع الإنترنت تيم برنرز لي الذي كانت له رؤية رومانسية عندما أنشأ الشبكة العالمية عام 1989. وفي خطاب مفتوح أقرَّ بأن الكثيرين أصبح لديهم شكوك في استمرار الشبكة كقوة تعمل من أجل الخير، مبدياً خشيته على مستقبل الشبكة من الانزلاق في ما أسماه أعمال شريرة من سرقة وقرصنة وتضليل وتعصب وكراهية.. فضلاً عن فقد المعلومات لاستقلاليتها وحياديتها لتصبح محتكرة من «إقطاعيات جديدة» أو «الإقطاع الرقمي» لوصف سيطرة منصات التكنولوجيا الكبيرة على البيانات لتوجهها حسب رغبتها في التأثير في المتلقي الذي قد يتحول إلى مجرد مستهلك توجهه تلك الإقطاعيات.
لذا أطلق السيد تيم العام الماضي مبادرته لحماية مستخدمي الإنترنت في ذكرى مرور ثلاثين عاماً لإنشاء الإنترنت، وشارك بتأسيس شركة ناشئة تسمى Inrupt، تهدف إلى تغيير ميزان القوى، كواحدة من العديد من الجهود الأولية الهادفة إلى إعادة البيانات لأيدي الناس وتحفيز الابتكارات الإيجابية عبر شبكة تنافسية مفتوحة.
هذه المبادرة «مثالية وواقعية بنفس الوقت» كما يقول جوناثان زيتراين مؤلف كتاب «مستقبل الإنترنت»، الذي يرى أنها تنطلق من فكرة أن إنترنت مجانياً ومفتوحاً يساعد على تمكين مستخدميه، بدلاً من تحويلهم إلى مجرد مستهلكين.. متضمناً إتاحة إمكانية الدخول على الإنترنت من أي مكان في العالم، والشفافية التي تعني القدرة على مشاهدة وفهم كيفية عمل تطبيقات الشبكة.
لكن مواجهة الاحتكار يتطلب أكثر من مبادرة، فكلما كانت شركات التكنولوجيا أكبر، كان من الصعب على المنافسين المحتملين التغلب على ميزة البيانات الخاصة بهم، مما يؤدي إلى كبح الابتكار. يلاحظ فيكتور ماير شونبرغر من جامعة أكسفورد أن الوصول إلى رأس المال لم يعد يمثل أكبر مشكلة للشركات الناشئة، بل الوصول إلى البيانات. لذا فإن مكافحي الاحتكار في طريقهم لمواجهة تلك الاقطاعيات. مثلاً في الشهر الماضي اتهمت وزارة العدل الأمريكية شركة جوجل باستخدام عقود مع صانعي الأجهزة، مثل آبل، لحجب محركات بحث أخرى. وتنفي جوجل ذلك قائلة إن الناس يستخدمون خدماتها لأنهم اختاروا ذلك وليس لأنهم مضطرون لذلك.
العلاج الوحيد بالنسبة للبعض هو تفكيك عمالقة التكنولوجيا، لكن هذا تبسيط كما تقول إيكونيميست، لن يتم حل المشكلات بمجرد تقليص حجم التكنولوجيا الكبيرة، فأي حل يجب أن يجعل الوصول إلى البيانات أكثر توازناً حتى يتمكن المنافسون المحتملون من النمو. ويمكن القيام بذلك بعدة طرق كما تقترح إيكونيميست: الأول هو تمكين الأفراد، والآخر هو العمل الجماعي، والثالث هو الاعتماد على الحكومات. سيحتاج الثلاثة إلى الدمج ببعضها للحصول على فرصة للنجاح.
بداية بالفرد الذي يجب أن يكون لديه حقوق ملكية لبياناته.. ورغم صعوبة استعادة السيطرة من منصات التكنولوجيا، فثمة خيارات أخرى. أحدها هو نموذج الاشتراك، على غرار نتفيلكس، مي وي، سبوتيفي.. شبكات تحمي مستخدميها من قصف الإعلانات والأخبار المستهدفة، وتفرض رسومًا بدلاً من ذلك. خيار آخر هو البدء في جمع البيانات نيابة عن الفرد من جميع أنواع المصادر مثلما تعمل Inrupt.
الطريقة الثانية مهمة عندما لا تأتي القيمة الكبيرة على الويب من بيانات الأفراد ولكن من تفاعلاتهم مع الآخرين. يقترح جلين ويل الاقتصادي بشركة مايكروسوفت «نقابات» تتفاوض نيابة عن مجموعات من الأشخاص مقابل حصة من الدخل الناتج عن استخدام بياناتهم. هذه الجهود قد لا تصل إلى شيء ما لم تدعمها الحكومات كما فعلت مع اللائحة العامة لحماية البيانات بالاتحاد الأوروبي، وقانون خصوصية المستهلك بكاليفورنيا..
أما مخترع الإنترنت فيقول: «أرغب في أن نبني عالماً أستطيع فيه التحكم بمعلوماتي الشخصية، بمعنى أن أكون المالك لهذه المعلومات، وأن يكون بإمكاننا كتابة تطبيقات تأخذ المعلومات من الجوانب المختلفة كافة من حياتي وحياة عائلتي وأصدقائي». الخشية أن تكون الشراهة التجارية أكبر من الرغبة النزيهة والطمع أكبر من الأمل، طالما أن الإعلان التجاري هو المحرك الرئيس لأعمال الإنترنت.