الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم وقال: «إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا»، وبعد:
فإن للدول والبلدان مآثر تفاخر بها وتتميز بها على غيرها، وكتب التاريخ تشهد بذلك بما أودعته بين دفتيها من ذكر مفاخر الدول والأقاليم والبلدان، فهناك المكتبات والجوامع والمساجد والمدارس وقناطر الأنهار والحدائق إلى غير ذلك، إلا أن من أعظم تلك المفاخر ما ينبغ من أفرادها من الأعلام والمتميزين في شتى أنواع العلوم والفنون، أولئك الأفذاذ الذين أثروا مجتمعاتهم وغيرها من علومهم وفنونهم التي نبغوا فيها وأصبحوا شامة في جبين بلدانهم يتميزن بها ويميزون بلدانهم بها فخرًا واعتزازًا. ولذا لا عجب إذا قرأنا في كتب التاريخ والتراجم خلافًا بين المؤرخين في أن ذلك العالم أو ذلك الشاعر أو ذلك الطبيب أو ذلك الفلكي من تلك البلاد بينما يقول مؤرخون آخرون بأنه من بلاد أخرى، حتى أني وقفت على بحث مطوَّل ولعله كتاب مصنف في علماء وشعراء تنازعتهم كتب التاريخ والتراجم، وسبب ذلك نفاسة معدن أولئك وعدم التنازل عنهم بسهولة.
وعودًا على بدء أقول: إن من مفاخر محافظة حريملاء ذلك النادي الأدبي المتنقل ومسقط رأسه حريملاء أديب متميز في خلقه وقلمه ناهيك عن كرمه وسماحته، وأنا أعلم أنه يكره المدح ويأبى ذلك، سمعت ذلك عنه وسمعت ذلك منه ورأيت ذلك في شخصه، ومقالي هذا ليس مدحًا بغير حق ولكنه وصف بحق، أعني بذلك النادي الأدبي المتنقل أديب حريملاء -حسب علمي- الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف، زرته لأول مرة منذ بضع سنين ولازلت أتردد إلى زيارته وممن صاحبني مرارًا وتكرارًا، ويشهد بذلك الدكتور سلطان بن إبراهيم الفايز، بل يشهد بذلك كل من عرفه وجالسه فلم نر ولم نسمع إلا فوائد شرعية وأدبية وتاريخية، زد على ذلك أن ضيافته لك تتميز عن غيره فيما رأيت وسمعت وعلمت، فلا أذكر أني دخلت منزله إلا حصلت على ضيافتين: ضيافة بدنية من طعام وشراب وطيب، وضيافة علمية من كتب يهديها لك أو فوائد يسردها على أضيافه وجلسائه.
شاهد المقال أنه إذا كان بعض الناس لقِّب بالتثنية لجمعه بين خصلتين ومن أولئك: ذو الرياستين (الفضل بن سهل وغيره)، وذو القلمين (الحسن بن أبي سعيد)، وذو الوزارتين (لسان الدين بن الخطيب)، فالأستاذ عبدالعزيز الخريف حقيق بأن يسمى (ذو الضيافتين).
ومما أحب أن أذكره عنه أيضًا:
- أن ذا الضيافتين كان ولا يزال بارًا بأصحابه في حياتهم بزيارته لهم وإكرامهم إن زاروه، وأما من مات منهم فبكتابة نبذة عنهم وذكر سيرتهم بالجميل مما جعل ذلك من أسباب كثرة الدعاء لأولئك الأصحاب وذكرهم بالجميل -رحمهم الله تعالى جميعًا.
- جمع الله تعالى لهذا الأديب المبارك ذي الضيافتين بين الإدارة والإمامة والكتابة، فقد تولى إدارة معهد المعلمين في جريملاء وكذلك إدارة متوسطة وثانوية حريملاء مع الإشراف على المكتبة العامة في حريملاء، وأما الإمامة فلا يزال إمامًا للمسجد القريب من بيته المسمى بمسجد (العزيزية)، وأما الكتابة فقلمه سيَّال ولا يزال -زاده الله تعالى من فضله- وقد طُبعت له كتب وأخرى أظنها في طريقها للطبع.
- ومما يُذكر ويُشكر في ختام هذا المقال حسن خلق أولاده -شكر الله تعالى لهم- وأشهد أني كلما زرت والدهم رأيت فيهم من البر القولي والفعلي ما ينشرح له الصدر ناهيك عن تحفيهم بضيوف والدهم -أثابهم الله تعالى ورزقهم بر أولادهم بهم- وقد اقترحت عليهم أن يجمعوا كل ما كتبه والدهم في موسوعة تحمل اسمه وأحسب أنهم قبلوا اقتراحي إن لم يكونوا قد بدؤوا بذلك قبل اقتراحي -حفظهم الله تعالى وبارك فيهم.