سبحانه العادل بكل شيء.. فكما يأتي (العمل الصّالح) إلى المؤمن في قبره على هيئة رجلٍ حسن الوجه وحسن الثياب وطيّب الرائحة، فقد وضّح- صلى الله عليه وسلّم- حال المؤمن في قبره حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ويأتيهِ رجلٌ حسنُ الوجْهِ حسنُ الثَّيابِ طيِّبُ الرِّيحِ فيقولُ: أبشِر بالَّذي يسرُّكَ، هذا يومُكَ الَّذي كنتَ توعدُ، فيقولُ لهُ: من أنتَ؟ فوجْهكَ الوجْهُ الَّذي يجيءُ بالخيرِ، فيقولُ: أنا عملُكَ الصَّالحُ)[صحيح].
كذلك ما نجده من صنائع الناس، وهي على وجهين ما كان منها (طبعاً) وهي محمودةً، أي ليس لصاحبها من فضل (1)،
أوآتيةً من تخلّق، أعني بجهدٍ لبلوغهامبذول وإما (طبع) مذموم، ليس لصاحبه كذلك من يد، فهنا يحبذ تدريب النفس على اجتنابها، أو آتيةً من تخلّق بها، والتي.. هنا موضع ملامة - مادتي هنا - لأن تلكم هي «السمعة» المكتسبة (2).. من خلال سيرة صاحبها (الصالحة) في دنياه، والتي يقاس بها المرء مع ملحظ أن التوصيف لا يؤخذ على مطلقه فقد يكون المقبول عند قوم.. (3)، هو على خلاف هذا عند غيرهم!.. أجل: هناك صنائع طباع ليس للمرء فيها تحكّم! إما حسنة فعليه وبعد شكر الله تنميتها. وإما خلاف هذا (4)؟ فهنا حبذا تدريب النفس على اجتنابها، فيما هناك ما هو من التخلّق بها- أكانت حسنة أو...- ليس لدى المرء في دنياه كسمعته (ما عُرف عنه بين الناس) التي يقال لها صيته.. فهي الحافظة لقدره، وبالتالي التي تحفظ له قدره وعليها يكرم بينهم أو يهان.. فالقياس هنا يعود للمروءة، وهي كما عُرفت أنها: (استعمال كل خُلقٍ حسنٍ، واجتناب كل خُلقٍ قبيح)(5) وموجزة بـ: (اجتناب الريب)، فنأخذ التعريف الأخير لمقصدي ها هنا وإن قيل بما هو اشمل ترك «خوارم المروءة».
ففي ما سطر لها بـ(كُتب) الفقه: ما تجد أن منها ما هو محرّم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو منافٍ للأدب والحشمة وإن لم يكن مخالفاً للشرع، لكنها معارف بين الناس، ففي حديث تعريف الإثم (.. ما حاك بالنفس) فطرةً أنه خطأ، ثم.. وكره أن يطلع عليه الناس) في عمومهم، وإلا فتجد الجار ممن (قد) يقع على إحداها، ولهذا فإن على الجار ما لا على غيره من آداب الستر وغضّ الطرف والتحمّل.. إلخ، ففي توجيه نبويّ أخبر عن رداءة من (لا يأمن جاره بوائقه)! وهذه بعض منها: الأكل في الطريق والأسواق والأماكن العامة ما لم يكن مكاناً معدّاً للطعام أو مكاناً يستتر فيه عن الناس. وخذ بعض وجوه من تلكم الخوارم «التجشؤ (6)، أمام الناس وحضرتهم، بل قلّة بالأدب، والأشناء إخراج الريح بصوت مع القدرة على ضبط النفس، بخلاف ما لو خرج من غير قصد. أن يحاكي شخصاً في حركاته ومشيته وكلامه من باب السخرية، أو مجرّد إضحاك الناس (7) من تكلم بالأعجمية وترك العربية من غير حاجة(8)، قال عمر رضي الله عنه: (ما تكلم الرجل الفارسية إلا خبّ، ولا خبّ إلا نقصت مروءته)، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: (وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للبلد وأهله أو لأهل الدار أو للرجل مع صاحبه أو لأهل السوق أو لأهل الديوان فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم). الجلوس في المقاهي، وإن أمست اليوم قد أخذت بعض تلكم وجها من القبول(9) ! فالحياة الصاخبة والزحام، مع تداخل الأسواق بالمتع.. الخ، جعل تلكم مما هو معتاد، وهذا خلاف اتخاذ المجالس من الأماكن المشبوهة، فهي أماكن الأسافل والأراذل. خذ أيضاً انبعاث الروائح من الجسد (لقلّة الاستحمام)، عدم تهذيب الشعر و... تكتيف اليدين خلف الظهر، وهذا «فعل مستقبح»(10) عند ذوي المروءات والشِّيَم لأختم بالشكر الوافر للأستاذ محمد الأسمري) ومادته: «خوارم الرجولة والمروءة» الجزيرة عدد: 17521 فهذه كانت -تقريباً - موجودة عندي لكن مادته تلكم سبب انبعاثها لدي..من مرقدها قفل المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً..(11)، وذلك.. أن المعارف في أهل النهى.. ذممُ.
1- فقصة الأشج -رضي الله عنه- وافية، فيكفي دعاءه بـ(الحمد لله الذي جبلني على ما يحبّ).
2- ولن أستخدم سيئة- لأن أعراف الناس تختلف من مكان لمكان ففي الحجاز يبلع الرجل حاسر الرأس فيما لدينا بنجد لا يبلع وقد يقبل حافي القدم لكن هناك لا يقبل.. الخ.
2- هناك ما هو جبلّة بالانسان (مثل ما عنده تأتئةً) وهناك ما هو آت تصنعاً.. مثل من يشرب الدخان - فهو أوكأ.. وفوهه الذي نفخ).
3- خذ مثلاً /المشي حافياً- بلا حذاء - ففي نجد نقبل هذا، لكن لا نبلع أن يمشي أدلع فاتح أزارير القميص!- فيما أحبابنا في الحجاز خلاف هذه.
4- بعض الدعاة لا يقول «الناس مؤمن وكافر» ولكن يقول: مؤمن وغير مؤمن مُعللاً أن الكافر لا يطلق إلا على من بلغه الإسلام نقياً صافياً من شوائب تباعه، ولم يقبل، فهنا يُوصم بـ(كافر)- للشيخ السعدي رحمه الله كلاماً بهذا المعنى.
5- وقيل (المروءةُ اسمٌ جامعٌ للمحاسن كلِّها).
6- طريقة جسمك لطرد الهواء الزائد من السبيل الهضمي العلوي- قولنا: فلان تغر..!
7- كما يفعله الممثلون والمهرجون الذين يزاولون فنهم من باب (الكوميديا).
8- للأسف كثير نماذجه بعصرنا، وكأن لسان صاحبه قائلاً: ترا لدي لغة أخرى..! وهذا (عياذاً بالله) مرض خفيّ عند صاحبه -قد لا يعلم عنه-.
9- لعل حديثا عن الطرقات إن هي إلا مجالسنا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذاً أعطوا الطريق حقه)..
10-كذا وضع اليدين على القُبُل، أو العبث به أمام الناس.
11- أي: ما لا يحتاج التنويه عنه، فضلاً عن ذكره.