محمد ناصر الأسمري
في يوليو 1776م أعلن المجلس القاري الرابع الاستقلال عن بريطانيا مكوناً الولايات المتحدة الأمريكية، واستمرت بعد ذلك الحرب الطاحنة بين أمريكا وبريطانيا حتى انتصر الأمريكان في 1781م في معركة يوركتاون بفرجينيا. وفي عام 1787 وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاقية دستور البلاد التي تم التصديق عليها في سنة 1788م.
الناس الذين أسسوا الولايات المتحدة الأمريكية هم أناس أحرار فكرياً فروا من الطغيان الفكري لملوك وقساوسة أوروبا العصور الوسطى، فهل يعقل أن يتركوا لأجيال المستقبل المجال لكي ينحرفوا نحو الطغيان؟ لقد فتح المشرعون الأوائل باباً للحرية، لم ولا ولن يستطيع المشرعون اللاحقون سده بأي شكل من الأشكال.
البند الأول في الدستور الأمريكي يضمن إلى الأبد حرية الكلام والنشر وتنظيم التجمعات ويحمي حق المواطنين بالعبادة كما يشاؤون، ويضمن لهم حقهم بعدم إجبارهم على اتباع أديان آخرين، وكذلك يضمن حق المواطنين في الاعتراض على سياسات الحكومة وتغييرها.
هكذا كان بناة الولايات المتحدة الأمريكية ثواراً على الكهنوت واحتكار المعرفة حين نهضوا بالأرض التي هاجروا إليها وبنوا فيها حضارة سادت العالم بفعل سيادة القانون.
كانت أمريكا عظيمة حين بنت في العالم العربي بالذات جامعات ومراكز علوم، فحق لأمريكا أن تتعاظم قوة وانتشارا ونشرا للعلم والتعليم، فلقد كان انشاء الجامعة الأمريكية في مصر ثم لبنان قبل أكثر من قرن بمثابة منارات علوم.
تقع الجامعة الأمريكية بمدينة القاهرة في قلب الشرق الأوسط، وهي مؤسسة رائدة للتعليم باللغة الإنجليزية ومعتمدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مركز للحياة الفكرية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي.
الجامعة الأمريكية في بيروت (بالإنجليزية: The American University of Beirut) ومعروفة اختصارا (AUB)، هي جامعة خاصة لبنانية افتتحت في 3 ديسمبر 1866، وتقع في منطقة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية.
الجامعة الأمريكية بمصر في القاهرة تأسست سنة 1919.
وخرجت هاتان الجامعتان آلافاً من العرب الذين صاروا قيادات علوم وتنوير وسياسة تبني وتعمر لا كما هو الحال اليوم حين حل الدمار محل الإعمار.
لا أعلم كيف تنظر أجيال الأمريكان اليوم إلى ماضي البناة من أجدادهم وتعميرهم الأرض.
صحيح أن أناسًا من قادة الرأي والحكمة والقرار في الولايات المتحدة الأمريكية قد أسهموا نساءً ورجالاً في كبح عنصرية البيض ضد عبودية البشر من السود والنساء فسادت روح القوانين التي حررت البشر من ظلم البشر،
بل لقد كانت الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية مشرعة الأبواب للطالبات والطلاب من مختلف أرجاء العالم ونهجت بلادي المملكة العربية السعودية منهج الطموح حين كانت بعثات آلاف من الطالبات والطلاب قد درسوا وتخرجوا وعملوا في مختلف المجالات، وفي بداية الألفية الحالية كان برنامج الملك عبدالله رحمه الله من أعظم النقلات الحضارية في مسارات الابتعاث وقيادة التنوير.
درست وتعلمت تعليمي العالي في أمريكا قبل برنامج الابتعاث وفي إحدى أشهر جامعاتها، وقد أفادتني علمًا وسلوكًا ومحبة ولعمل المنتج وقيمه.
كيف تعود أمريكا عظيمة كما يقول ترامب في حملته الانتخابية مقارنة بما كان من جيل البناة, تعود عظيمة حين تبني صروح علم ومراكز من أجل السلم المجتمعي في أمريكا والعالم.
أستعير هنا مقولة الصديق الدكتور عبد الله موسى الطاير في كتابه: «أمريكا التي قد تعود» الصادر عام 2005م. فالأمل بالله ان تتحق الغاية ان تنصب أمريكا عودة الوعي لما كان لها من اسهامات في التنمية والصناعة والتعليم. كما أن أستاذنا د.فهد العرابي الحارثي قد أصدر عام 2004 كتاب «أمريكا التي تعلمنا الديموقراطية والعدل» وثق فيه بلغة عاطفية تصريحات وبيانات لساسة أمريكان.
لكني سبقت العزيزين بعقدين من الزمان حين أصدرت كتابي: اتجاهات الأمريكان وتوجهاتهم نحو العرب والإسلام عام 1993م الذي كان أطروحتي للماجستير عام 1984، وكتبت مجلة الفيصل تقريضا له عام 1415هـ.