د. محمد عبدالله الخازم
تحارب الدولة وبقوة الفساد وتزيدنا اطمئناناً بجديتها وتصميمها في هذا الشأن من خلال إعلان نوعية القضايا وطبيعة المشاركين فيها. الفساد ظاهرة عالمية تؤرق الدول حيث يشير جوناثان تيبرمان(*) في كتابه «الإصلاح: كيف تعيش الدول وتزدهر في عالم متراجع» إلى أن الفساد أهم عنصر بعد اللا مساواة في تراجع الأمم والدول، ويؤكد بأنه مرض يزداد انتشاره وظهوره في الدول النامية بشكل ملحوظ وبالتالي هو أحد معوقات نموها. ويتوجب على الدول الراغبة في البقاء في مصدر القوة محاربة الفساد بكل أنواعه. كما تشير المصادر إلى زيادة نسبة الوفيات بمقدار الثلث في الدول التي تصنف بأنها ضمن الأعلى فساداً مقارنة بالدول الأقل فساداً. كما أنه يتوقع أن 5 في المائة من الاقتصاد العالمي مصدره الفساد، ويقدر حجم الرشاوى العالمية - والرشوة مجرد أحد مصادر الفساد- بأكثر من تريليوني دولار سنوياً، يدفعها الناس العاديون.
بعض مرتكبي الفساد - وهذا جزء من الثقافة العامة- لا يرى تلك الآثار أو لا يدركها أو يعتقد أن تصرفه مجرد حالة فردية يجب ألا تتحول إلى موضوع كبير. هذه الصورة النمطية ستتغير وسيزداد الوعي، بالذات مع الحملات الأخيرة التي لم تستثن أحداً وكشفت عمليات الفساد بشفافية كبرى. تجاوزنا الماضي الذي كان الحديث عن الفساد محظوراً أو محصوراً إلى حد ما، فقد أصبحت مكافحته أولوية في أجندة الدولة ورؤيتها.
من أسباب الفساد طبيعة بعض الأنظمة الإدارية التي بنيت وفق تركيبة لا تأبه كثيراً بقضية تعارض المصالح والفصل بين الأدوار المختلفة التشريعية والتنفيذية والرقابية. أيضاً من الأسباب عدم دقة الأنظمة وآليات تطبيقها وبالتالي وجود الثغرات التي يمكن استغلالها بسهولة من قبل المتجاوزين والفاسدين. لذلك جزء من الحرب ضد الفساد يجب أن تذهب إلى تشخيص نقاط الضعف والثغرات في الأنظمة.
هناك أسباب أخرى أكثر عمقاً تتمثل في الثقافة والقيم، فجميعنا نغضب من التجاوز في التوظيف لغير الأكفاء، لكن الحقيقة أن الواسطة والشفاعة وخدمة ابن العائلة والقبيلة والمنطقة والفئة أياً كانت من مبدأ الأقربون أولى بالمعروف تعد ثقافة سائدة ومقدرة في مجتمعنا. في هذه الحالة لدينا مشكلة قيمية أكثر منها تنظيمية. نحن لدينا ثقافة متوارثة تنتقل معنا في أعمالنا الإدارية فيتحول المنصب لدينا من إداري تحكمه الأنظمة والأسس العلمية الحديثة إلى إداري يفكر بعقلية الشيخ الذي لا يقاطع كلامه أحد ولا يناقشه أحد، والذي يعتقد أن حسن الإدارة فرض ما يراه بغض النظر عن تعمقه واستيعابه لكافة تفاصيله. وبسبب ذلك يقع المحظور بتمرير مشاريع وقرارات تتجاوز النظام أو هي مدخل للفساد، سواء بقصد او بغير قصد..
موضوع القيم الثقافية والاجتماعية يحتاج عملاً كبيراً على مستوى التعليم والفعل الثقافي والإعلامي وعلى مستوى الأنظمة وعلى مستوى إيجاد المسؤول القدوة وغير ذلك. تغيير القيم أو غرس قيم إيجابية جديدة يعد عملاً حضارياً تراكمياً على مدى أجيال، لا يتسع المقال لنقاشه.
نشد على يد الفاعلين في محاربة الفساد وندعو لهم بالتوفيق.
(*) The Fix: How nations survive and thrive in a world in decline. By Jonathan Tepperman.