إعداد - د. فايزة محسن الحربي:
يؤكد أستاذ الجراحة المساعد بكلية الطب بجامعة المجمعة الدكتور ناصر الذروي أن دور المدرسة أكبر من أن تكون منصة تعليمية تربوية فلها أدوار أخرى لا تقل أهمية عن التعليم والتربية فدورها الاجتماعي في تطوير الطلاب، واكتشاف معظم الأمراض النفسية حيث تحقق المدرسة دور كبير في تشخيصها منذ بدايات ظهورها في مراحل الطفولة المبكرة.
بالإضافة إلى دور المدرسة في الإصلاح الاجتماعي وكشف حالات التعنيف المنزلي بين الطلاب والطالبات، ولا شك أن التعليم الحضوري يتفوق على التعليم عن بعد لكن هناك قلة من الطلاب قد لا يتأثرون من الناحية التعليمية سلباً في بعض المواد النظرية خصوصا إذا كان لديهم دعم أسري كبير، لكن يظل غياب التواصل المباشر مع المعلم ونقل جزء كبير من مسئوليات ومهارات ومهام المعلم إلى الأسرة يمثل ضغطاً كبيراً على الوالدين ويؤدي في حالات كثيرة إلى ممارسة نوع من التعنيف على الطلاب خصوصاً في مراحل التعليم المبكرة عند تعلم المهارات الأساسية مثل الكتابة والقراءة، فأهم صفة من صفات المعلم هي الصبر وهي مهارة مهمة قد يفتقدها كثير من الآباء خصوصاً إذا كانوا يعملون أو عليهم ضغط أو لديهم مهام أخرى، وهذا بلا شك قد يؤدي إلى تعنيف الطلاب وقد أثبتت الكثير من الدراسات أن التعليم عن بعد طويل الأمد (فكما نعلم أننا قاربنا إلى انتهاء الفصل الثاني من التعليم عن البعد وغالباً سندخل في الفصل الثالث بما يقارب السنة ونصف)، فالتعليم القصير الأمد قد لا يشكل خطورة أما طويل الأمد أثبتت الدراسات أنه يؤدي إلى زيادة حالات التعنيف في الأسرة التي لم تكن تعنف فقد تنشأ لديها حالات تعنيف جديدة، أما الطالب الذي نشأ في أسرة تعنف فستزداد حدة التعنيف فيها بسبب هذا الأمر، لاشك أن هذا التعنيف له آثار نفسية سلبية جداً على الطلاب.
كما أثبتت الدراسات أن الفاقد التعليمي في السنوات المبكرة من ناحية القراءة والكتابة ومهارات اللغة كبير جداً قد يصل إلى 40 %- 50 % مقارنة بالتعليم الحضوري لا شك أن هذا له آثار سلبية ليست تعليمية فقط بل تمتد إلى عواقب صحية ونفسية وخيمة على الطالب، والفاقد التعليمي يختلف باختلاف المراحل فيمثل مرحلة حرجة لدى طالب الثانوي ولها انعكاسات سلبية جدا عند التقديم على الجامعات من حيث نزول المعدل وعدم حصول الطالب على فرصة عادلة في تحقيق المعدل الذي كان يطمح إليه، ما يؤثر سلبا على الأحلام التي كان يرسمها في الحصول على قبول في الجامعات الراقية والتخصصات التي يتطلع إليها لا شك أن هذا له تأثير سلبي نفسي كبير على خريجي الثانوي، أيضاً التعليم عن بعد طويل الأمد في المراحل المتقدمة مثل الثانوية يحرم الطلاب من مراحل مهمة جداً في حياتهم مثل مرحلة التخرج وهي تجربة مهمة ليست مجرد طقس إنما هي تجربة مهمة للإحساس بالإنجاز والرضا النفسي الذي تحدثه مثل هذه المراحل.
أبرز الآثار الصحية الجسدية إجهاد العينين وآلام الظهر والرقبة والسمنة.
وأضاف أ.د الذروي أنه مما لاشك فيه أن للمدرسة الحضورية دورا كبيرا إيجابيا تحققه في الجانب الصحي العضوي والنفسي، فمن أبرز آثار التعليم عن بعد طويل الأمد أنه يزيد من معدلات السمنة وله عواقب صحية جسدية ونفسية، هذا ما أثبتته الدراسات العلمية خصوصاً عند الأطفال والمراهقين، فالوقت الذي يقضيه الطالب على الشاشة لا يعتمد فقط على الكمية بل على النوعية أيضاً، حيث تختلف تأثيرها على الطالب فيمثل الوقت الذي يقضيه للتعلم أثرا سلبيا ضئيلا جداً مقارنة بالوقت الذي يقضيه لأسباب ترفيهية غير نشطة مثل مشاهدة الأفلام والمسلسلات فيظهر الأثر السلبي بعد ساعتين، أما الوقت التعليمي فهو نشط يتفاعل فيه مع معلميه وأصدقائه، إضافة إلى أن العلاقة بين زيادة قضاء وقت التعلم عكسية مع مشاهدة المواد الترفيهية والألعاب الإلكترونية فكلما زاد التعلم الافتراضي قل الترفيه الافتراضي.
ومن الأهمية أيضاً الوعي بالآثار الجسدية العضوية على الطلاب من التعلم عن بعد طويل الأمد كإجهاد العينين وظهور آلام الظهر والرقبة والسمنة فلابد من الحذر منها والتخفيف من آثارها فيحتاج الطالب لاستراحات وبريك كل ساعة أو كل 45 دقيقة وأن يتحرك فيها ويضع قطرات العين لتفادي الجفاف لعيناه.
التعليم عن بعد يفاقم من الفروقات الاقتصادية والاجتماعية بين الطلاب
التعليم عن بعد يفاقم من الفروقات الاقتصادية والاجتماعية بين الطلاب فالتعليم الحضوري يتساوى فيه الطلاب الذين يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية متدنية بغيرهم من الطلاب حيث يتلقون نفس التعليم، ويستطيع الطالب أن يجتهد ويتفاعل مع معلميه وزملائه، أما في التعليم عن بعد فيفاقم هذه الفروقات لأنه يحتاج إلى أجهزة وانترنت عالي السرعة وإلى منزل يوفر بيئة علمية خصبة دون وجود الملهيات أو المشتتات أو أي نوع من الإزعاج، كما أن وضع خمسة طلاب في غرفة واحدة مع وجود التلفاز أو تضعهم على جهاز واحد أو اثنين مع عدم توفر انترنت سريع، لا شك أن هذا سيضعف قدرة الطلاب على الحصول على تعليم معقول مقارنة بزملائهم ذوي الحالة المادية الأفضل بكثير ولا شك أن هذا له انعكاسات نفسية سيئة على الطلاب.
واختتم أ.د الذروي حديثه بسؤال هل يمكن التغلب عن مشاكل التعليم عن بعد؟ وأردف مجيباً يمكن ذلك لكن لابد من منظومة واسعة جدا.