محمد سليمان العنقري
ليس غريبا أن تحظى الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصًا الانتخابات الرئاسية، باهتمام من الإعلام عالميًّا؛ فهي دولة عظمى، وأكبر اقتصاد عالمي، وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وذات ثقل وتأثير كبير في النظام العالمي اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، ومن المعتاد أن يكون هناك تغطية ومتابعة من إعلامنا العربي للانتخابات في كل دورة جديدة، التي تتكرر كل أربعة أعوام، إلا أن هذه الدورة كانت استثنائية بحجم تغطية بعض الفضائيات العربية المختصة بالشأن الإخباري السياسي، وبإمكانيات هائلة؛ إذ كانت هي الحدث الوحيد الذي يغطَّى على مدار الساعة، وكأن العالم توقف منتظرًا من سيفوز بمنصب رئيس أمريكا.
فقد وُظّفت إمكانيات هائلة ومكلفة لتغطية الحدث من بعض القنوات، وكأنه موسم تسوق فيه بضاعة كل قناة لكسب أكبر عدد من المشاهدين، وخصوصًا إذا ما علمنا أن القنوات الفضائية عالميًّا انخفضت مشاهدتها بنسبة 25 في المئة، وذلك لصالح وسائل التواصل والإعلام الجديد، فكانت هذه الانتخابات - على ما يبدو - فرصة لكي تستعيد القنوات التي كرست كل وقتها لتغطية الحدث مشاهدين هجروها، ولم يبقَ جانب في هذه الانتخابات، وكذلك النظام الانتخابي لأمريكا وتاريخ كل الرؤساء السابقين، إلا وتم الحديث عنه لدرجة يمكن الاعتقاد بأن المشاهد لهذه الفضائيات أصبح لديه ثقافة ومعرفة بنظام انتخابات أمريكا أكثر من الأمريكيين أنفسهم، وبقصد أو بدونه نتج من هذه التغطية غير المسبوقة عربيًّا بعض التعاطف والاصطفاف مع المرشحَين بحسب ما تم التركيز عليه من تصوّر حول كل واحد منهما، وكأن المنطقة والعالم مصيره مرتبط بمن سيفوز بالانتخابات؛ وهو ما أعطى انطباعات خاطئة عن الحدث نفسه، وحمّله أكثر مما يحتمل، بغض النظر عن أن أمريكا دولة كبرى، فهذا أمر بديهي؛ لا يختلف عليه أحد.
لكن هذه المبالغة بتغطية الانتخابات باتت ظاهرة تستحق الدراسة والبحث؛ فلا يمكن اعتبار ما يجري في أمريكا أهم من أحداث منطقتنا وقضاياها العديدة، ولا يمكن أن تكون أمريكا وأحداثها أهم من شؤون دول المنطقة وملفاتها السياسية، وتحدياتها الاقتصادية.. فجائحة كورونا خلفت تداعيات اقتصادية سلبية ضخمة، وهناك حاجة ماسة لاستمرار تركيز الإعلام على هذه التداعيات وتطوراتها، وكيف يتم احتواؤها، بخلاف التوعية الصحية لمنع حدوث موجة ثانية للجائحة كما يحدث في أمريكا نفسها وأوروبا كذلك. فماذا سيستفيد المشاهد العربي من معرفة تفاصيل نظام الحكم في أمريكا، وكيف يُنتخب رئيسها؟! فمن الأولى أن يزداد وعيه بكيف يحمي نفسه من فيروس كورونا، وكيف يُسهم بحماية مجتمعه وأسرته من هذا الوباء، وكذلك كيف يحافظ على مصدر رزقه.. ومن الأهمية بمكان أن يعي قضايا تهم وطنه، وأن يسهم في التنمية عوضًا عن معرفة البرنامج الانتخابي لكل مرشح.. فهل المشاهد العربي سيستفيد من ثقافة ومعرفة لن تضيف له شيئًا؟ وهل لديه تأثير بهذه الانتخابات؟ هل تظن تلك الفضائيات أنها تستقطب المشاهد لكي يعرف أي مرشح سيُنتخب مثلاً؟ فهذا شأن أمريكي، وهم من يختار رئيسهم، وإذا كان العالم يهتم بهذا الحدث إلا أنه لم يصل لمرحلة تشابه هذه الفضائيات لدرجة أعطوا انطباعًا كأنهم قنوات فضائية أمريكية!
الانتخابات الرئاسية في أمريكا حدث مهم، ومَن سيفوز لن يعمل إلا لتحقيق مصالح بلده. وحكومات كل الدول تتعامل مع الحكومة الأمريكية على أساس المصالح المشتركة، وهي من تمثل شعوبها أمام العالم. فالمواطن العربي كحال غيره من مواطني الشرق والغرب لن يتعاملوا مع الحكومة الأمريكية، ولا يعنيهم من سيسكن البيت الأبيض؛ فهذا شأن سياسي، تختص به الحكومات فقط؛ فحري بهذه الفضائيات وبعض المعلقين الذين تصدروا المشهد كخبراء بالشأن الأمريكي أن يكونوا أقل حدة وحماسًا لهذه الانتخابات. وكنا ننتظر أن يكونوا أكثر مهنية وموضوعية؛ فيفترض بهم الحياد، وتحليل الصورة، وليس الاصطفاف والتشنج بالرأي وتضخيم الحدث لدرجة أن يجعلوه مصيريًّا للعالم! فهذا لم يحدث سابقًا، ولا حاليًا، ولا لاحقًا؛ فهناك 44 رئيسًا مروا بتاريخ أمريكا من الحزبَين الرئيسَين فيها، ودائمًا كانت المصالح هي ما يربطهم بكل دول العالم، وهي معيار التحالفات والشراكات التي عقدوها مع العالم. ففي سياسة أمريكا الخارجية هناك استراتيجية وأهداف ثابتة، يعمل كل رئيس على الوصول لها بأسلوبه وإدارته فقط.