أوصاف الفارس
أذكر قبل 5 أعوام عندما سافر شقيقي لإكمال دراسته الجامعية خارج المملكة، أصاب والدتي حزن شديد حتى أنها امتنعت عن الطعام لأيام وامتنعت عن الخروج من المنزل ودخلت في عزلة كاملة بينها وبين نفسها شوقًا له وحزنًا على بُعده عنها، وكان من أصعب الأمور أن نخرجها من تلك الحالة، كانت تعد الساعات والأيام حتى يأتي موعد قدومه إجازة بعد أشهر، وهذا كان عزاءها وما يصبرها على مرور الوقت. نعم هذه هي الأم التي نعرفها والتي اعتدنا عليها، الحنان والأمان، الأم التي تخاف على أطفالها وتخشى بعدهم عنها مهما بلغوا من العمر، ما جعلني أذكر ذلك الحادثة التي شغلت الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، حادثة الأم التي ألقت بطفيلها في نهر دجلة بسبب خلاف بينها وبين زوجها، الحادثة التي هزَّت العراق والعالم العربي بأسره، عندما أظهر مقطع فيديو مصور، انتشر بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لسيدة تحمل طفلاً وتجر آخر من يده قبل أن ترميهما في النهر دون تردد وتركتهما يغرقان. كيف لأم أن تتجرد من أمومتها وإنسانيتها بتلك البساطة، جريمة مروعة بكل المقاييس ولا يستطيع العقل تقبلها، ولا يمكن لامرأة مهما بلغت من القسوة أن تقدم عليها، لا يمكن أن تكون إلا امرأة فاقدة للقلب والعقل سويًا. الإنجاب وحده لا يكفي فحتى البهائم تنجب، الأم ملاذ وأمان لأطفالها من مكر الدنيا ووحشيتها، فما بالك إذا كانت تلك الأم هي ذلك الوحش الذي افترس براءتهم وكانت خوفهم لا أمانهم. لن يستطيع أي عاقل أن يجد مبررًا لفعلتها للأسف، تبقى هذه حالة شاذة لا يمكن لعقل بشري تصديقها وتبقى الأم هي مصدر الأمان لأطفالها.
واسيني الأعرج: «الأم حنانٌ لا يعوّض.. يبدو لي أحيانًا أنّنا عندما نحبّ فنحن نبحث في الوجوه الأخرى عن الأم.. أمٌّ أكثر جرأة، قادرة على الذهاب بحبها إلى أقصى الحدود، ضاربة عرض الحائط بكل الموانع». «الأم هي أوّل من يمنح الحياة، وأوّل من يحس عند الفقدان بأن جزءًا مهمًا منه قد انطفأ نهائيًا».