زوجة المفقود التي رفعت أمرها للحاكم الشرعي، بسبب تضررها من طول غيبة زوجها الذي لا تعلم بخبره، ففرض لها الحاكم الشرعي مدة تتربص بها ينتظر خروج زوجها فيها، ثم فرق الحاكم بينهما وطلق عليه، ثم اعتدّت، وانتهت عدتها، وتزوجت بزوج آخر، ثم تبين حياة زوجها الأول، فهي لزوجها الثاني، وعقدها عليه صحيح، وزواجها بالثاني صحيح، وليس للأول عليها سبيل والحالة تلك، وهو قول مالك رحمه الله تعالى.
وذلك للأسباب التالية:
1 - لأن الفسخ بسبب الغيبة، سواء كان بسبب فقد الزوج فيضرب له الحاكم مدة يغلب على الظن إن لم يخرج فيها أنه قد مات في أغلب الظن، بعد رفع الزوجة طلب الفسخ له، أو كان غيابه بغير عذر تتضرر المرأة بعدم قدومه عليها، أو كان لعذر لا تستطيع الزوجة البقاء في ذمته بدون قدومه عليها - لما يلحقها من الضرر غير المعتاد -، فيكون طلب الفسخ لدفع الضرر، ومخالفة الزوج الشرط العرفي في المكث مع المرأة. بحيث تكون كالمعلقة، وقياساً على دفع الضرر عنها في الإيلاء.
2 - وقياساً على المولي لأكثر من أربعة أشهر، وضرر غيبة المفقود أعظم من ضرر الإيلاء.
3 - ولأن الزوجة تم فسخ زواجها من زوجها الأول لحصول الضرر، وهو حكم شرعي مبني على اجتهاد، فلا ينقض إلا بدليل شرعي.
4 - ولأن الفسخ من أجل فقد الزوج، أولى من الفسخ بالإعسار والإيلاء، ونحو ذلك من أسباب فسخ النكاح - كما تقدم في أسباب الفرقة بين الزوجين -.
5 - ولأن العبرة بالمنظور لا المنتظر، وفسخ الزواج الأول، وجد سببه وهو ضرر المرأة بحكم شرعي، فلا يفسخ بالمنتظر، عند ظهور الزوج الأول.
6 - ولأن القاعدة: حكم الحاكم يفصل النزاع فيما رفع إليه مما وقع فيه الاختلاف. وأمر الفقود. قد رفع إلى الحاكم الشرعي وفصل فيه.
7 - ولأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين عند تعذر اليقين.
فإن قيل: إن الفسخ بناء على سبب تبين خطؤه، ولا عبرة بالظن الذي تبين خطؤه.
فالجواب: أن السبب: هو تضرر المرأة ولم يتبين خطؤه، لا مجرد فقد الزوج فقط فهو دليل العلة لا العلة، ولهذا إذا تضررت المرأة لغيبة الزوج فسخ العقد ولو كان بغير فقد الزوج، كالإيلاء والعجز عن الصداق ونحوهما مما سبق في أسباب الفرقة ببن الزوجين.
بخلاف ما إذا أشيع خبر وفاة الزوج ثم تبين أنه لم يمت واعتدّت وتزوجت، فإن النكاح الثاني ينفسخ، وتكون للأول بعد أن تستبريء الرحم، لأنه لا عبرة بالظن البين خطؤه.
والفرق بينهما، أن المسألة الأولى مبنية على رفع ضرر رفع للحاكم ففصل فيه، وقام بفسخ العقد رفعاً للضرر، بخلاف الثاني فلم تطلب رفع ضرر، - وحقوق الآدميين لا تعطى لهم إلا بطلبهم -، وإنما بناء على ظن تبين أنه خطأ فلم يبن عليه حكم شرعي.
تنبيه: المال الذي تم توزيعه على أن المفقود مات ثم تبينت حياته، يرد إليه، ويرجع على كل من الورثة فيما أخذوه من ماله، والله تعالى أعلم.
** **
د. محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة بجامعة أم القرى - مكة المكرمة