الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
مدت الشريعة الإسلامية شراع العدل إلى منتهاه حتى الحيوان برعايته واجتناب ظلمه في التعامل معه،بل وحرمة إيذائه وتعذيبه.
وفي ضوء ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع لبعض التصرفات اللامسؤولة لفئات من البشر تقوم بعمليات إيذاء وتعذيب للحيوانات دون رحمة وشفقة.
تحدث لـ»الجزيرة» عدد من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية حول هذه السلوكيات المشينة، وعواقبها الوخيمة على من يقوم بذلك، ومخالفته لتعاليم الإسلام وأحكامه.
الرفق بالحيوان
يقول الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم أن نصوص الشريعة صريحة في هذا الباب، بداية من النملة والعصفور وانتهاء بالجمل ومروراً بالشاة كلها ترسم منهج التعامل معها حتى وأنت تريد ذبحها، فتلك لا تتخذ غرضاً وهذه لاتذبح أمام أختها وذلك لايحمل فوق طاقته، وتلك الحمرة لا تفجع بولدها. فمن ذا يفوق الشريعة التي كرمت الإنسان وأحلت له بهيمة الأنعام ثم هو أثناء ذلك يجمع بين الذبح والعطف وبين الاستخدام وتخفيف الأثقال، كل ذلك ليس لأنه إنسان فمن البشر من قلوبهم قلوب الذئاب لكن لأنه يعلم أن الله أمره ونهاه وسخرها له، يعلم قيمة المشاعر حتى من الأجناس الأخرى. وحين يتنكر الإنسان لفطرته السوية يخرج عن هدي الشريعة فيظلم ويفسد ويؤذي، وأن العبث الذي تتناقله صور حية لكائنات حية تحرق أو تربط وتسلسل أو يسلط بعضها على بعض بغية الإضحاك والتندر تنم عن موت الحس والشعور، وفوت التقوى الرادعة وغياب الأنظمة الزاجرة، نحن هنا وعلى سطح الأرض المعمورة حاربنا كل حي جميل من البئية والحيوان، بل الأجواء غادرتنا طيور وأنعام لا تحصى لأننا لم نحسن جوارها. إن القلوب الرحيمة والتربية المنزلية الواعية والتعليم الهادف والمنبر المنير رواد حق وصدق لمخرجات ترفض كل صور الاعتداء، ويبقى المواطن نفسه رقيبا حاضرا وناصحا أمينا لا يترك منكراً يمر إلا وعلق عليه بلطف وهدف وتواصل بناء مع الجهات، ذلك لأننا في سفينة واحدة إذا خرقها السفيه غرقنا سويا.
إياك والظلم
ويستدل الدكتور عارف بن مزيد السحيمي أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في حديثه بقول الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله: «الإنسان لو ضرب دابة بغير حق، أوجعها، أو عطشها، أوكلفها فوق طاقتها؛ فإنها تقتص منه يوم القيامة بنظير ما ظلمها، أو جوعها، ويدل لذلك حديث الهرة، وفي الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم رأى المرأة معلقة في النار، والهرة تخدشها في وجهها، وصدرها، وتعذبها، كما عذبتها في الدنيا: بالحبس، والجوع.
وهذا عام في سائر الحيوانات، وكذلك: إذا حملها فوق طاقتها تقتص منه يوم القيامة؛ لحديث الصحيحين: (بينما رجل يسوق بقرة؛ إذ ركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث)، فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها، بأنها لا تؤذى، ولا تستعمل في غير ما خلقت له، فمن كلفها فوق طاقتها، أو ضربها بغير حق، فيوم القيامة يقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه».
القيمة العظيمة
وتؤكد الأستاذة حنان بنت صالح الشهري، الحاصلة على الماجستير في الإدارة التربوية
الرفق في الإسلام قِيمة عظيمة، وخُلق رفيع، وقد اتَّسع لا ليشمل البشرَ فحسب، وإنما ليشمل كذلك الحيوانات، ومن عظمة الإسلام اهتمامه بالحيوان والحث على الرِّفق به، حيث جاء بأحكامٍ عدَّة تُبيِّن حدود التعامل مع الحيوان، وتُؤكِّد كذلك على الشفقة والرحمة والرِّفق بالحيوان، علماً بأنَّ غير المسلمين لم ينتبهوا لحقوق الحيوان إلاَّ في أزمنة مُتأخِّرة، بل ليس سِرًّا أن يقال: إنهم أخذوا أصولَ ذلك مِمَّا يوجد لدى المسلمين من آداب وأحكام في التعامل مع الحيوان، والحقُّ أنهم نجحوا في إعطاء الحيوان حقوقَه، على الرغم من أنهم سلبوا - في الوقت ذاته - الإنسانَ كثيراً من حقوقه، وهذا من التناقض الغريب، مشيرة إلى أن الدين الإسلامي من الأديان السماوية التي حثت على الرفق بالحيوان، فهو دين الرحمة والإنسانية، ونصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة نصت على الرفق بالحيوان، لأنها منفعة للفرد، فبعض الحيوانات تؤكل، وبعضها يستخدم للتنقل،
قال تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
الخلق الإسلامي
وينبه الدكتور سعيد بن مرعي السرحاني أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة بجامعة الملك خالد بأبها عن نهي الله -عز وجل-، ورسوله الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عن ضرب الحيوانات، وأذاها، وتحريم تعذيبها، ونهى عن تحميلها بما يفوق قدرتها أو استخدامها هدفاً للصيد بهدف قتلها فقط، وأن الإنسان الذي يحسن معاملة الحيوانات ويرفق بها، ويحسن إليها، ويعتني بها، ويطعمها ويسقيها، ويحفظ حقوقها، له أجر وثواب كبير محتسب له عند الله،كما أن الإسلام جعل الرِّفقَ سلوكاً وخُلُقاً إسلاميًّا، فحثَّ عليه، وندب إليه، وقد وسَّع مجالات تطبيقِه؛ لِيَشمل المجال الفردي برفق الرَّجل بنفسه، ثم المجال الأسري، ثم المجال المُجتمعي دون تفريقٍ أو تمييزٍ بسبب اللون أو الجنس أو الدِّين، ثم تجاوز الإسلامُ بالرفق حدودَ العنصر البشري لتتعدَّاه إلى الحيوانات، فأثبتَ لها حقوقاً، وسَنَّ في التعامل معها آداباً، وجعل الرِّفقَ بها أساسَ التعامل معها، مطالباً النظر إلى قيم الإسلام السامية، وأخلاقه الراقية، ومعاييره الموضوعية الصادقة، هذا دينُنا، هذا نبيُّنا، هذه سُنَّة نبيِّنا.
بل ذكرت لنا كتب التاريخ أنها قد خصصت أوقافا لإطعام بعض الحيوانات ورعايتها كالحيوانات المسنة العاجزة عن الاستمرار في خدمة أصحابها كوقف أرض المرج الأخضر في دمشق أووفي الشام وقفًا للقطط الضالة يطعمها ويسقيها، سميت بمدرسة القطاط،؛ ووقفًا للكلاب الشاردة يؤويها ويداويها، سمي اسمًا غريبًا «محكمة الكلاب»، وهو في حي «العمارة».