إعداد - خالد حامد:
قضية السياسة الخارجية، ربما تكون الوحيدة، التي يبدو أن ترامب وجو بايدن اتفقا عليها بهدف إنهاء تورط الولايات المتحدة في «حروب لا نهاية لها» في الشرق الأوسط.
من المؤكّد أن المصالح الأمريكية في المنطقة قد تضاءلت لكنها لم تختف، حيث يحاول مخططو السياسة الخارجية في كلا الحزبين السياسيين إيجاد طرق جديدة لتعزيز المصالح الأمريكية من بينها محاربة الإرهاب ودعم الحلفاء والوقوف ضد روسيا والصين أي أن تفعل أكثر بموارد أقل.
يمكن لواشنطن والعواصم الأوروبية اغتنام الفرصة التي أتاحتها الانتخابات الأمريكية لابتكار مشاركة أطلسية ذكية في الشرق الأوسط، وربما إصلاح بعض الأضرار التي حدثت في السنوات الأخيرة.
بعد انتهاء الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتحدة بحاجة حقًا أو تريد تحالفًا قويًا مع أوروبا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. العديد من الأوروبيين لم يرغبوا في ذلك أيضًا.
قامت أمريكا بمراقبة المنطقة، بدعم أوروبي أو بدونه وكان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي قامت به واشنطن على الرغم من المعارضة الفرنسية والألمانية، بمثابة ناقوس الموت لهذا النهج أحادي القطب.
ثم فوجئت أوروبا والولايات المتحدة عندما هز الربيع العربي المنطقة في عام 2011، وبعد تحول الانتفاضات السلمية إلى صراعات إقليمية في ليبيا وسوريا واليمن، ظهر «الإرهاق» الأمريكي فيما يتعلق بالعمل العسكري كما ظهر قصورا في الدعم الأطلسي لتحولات المنطقة مما خلق فرصًا لتدخلات عسكرية كبيرة من إيران وروسيا وتركيا، ناهيك عن ظهور تنظيم داعش الإرهابي.
دفعت أوروبا ثمناً باهظاً لافتقارها إلى نفوذ أمني حاسم في جوارها الجنوبي، بما في ذلك حدوث سلسلة مروعة من الهجمات الإرهابية هزت مدنها وتزايدت أعداد اللاجئين على شواطئها. أدى هذا الضعف إلى رد فعل أوروبي بطيء ولكنه ثابت، مع استعداد ألمانيا الجديد «لتحمل المزيد من المسؤولية» واقتراح فرنسا تعزيز «الحكم الذاتي الإستراتيجي» لتكون قادرة على اتخاذ إجراءات أوروبية أسرع وأكثر فعالية، بما في ذلك في الشرق الأوسط، بالتعاون مع الولايات المتحدة أو وحدها، عندما لا تريد واشنطن التدخل.
اتخذت أوروبا المزيد من الإجراءات من خلال بعض دولها الأعضاء أو على مستوى الاتحاد الأوروبي من بينها مساهمات عسكرية في الحرب ضد داعش في سوريا والعراق وليبيا والعمليات البحرية في ليبيا لمراقبة حظر الأسلحة وفي مضيق هرمز لحماية طرق التجارة والدعم المالي لتونس وتوفير مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية في سوريا والعراق واليمن، والعديد من المبادرات الدبلوماسية حول إيران وسوريا وليبيا ولبنان. وللقيام بالمزيد بموارد أقل في الشرق الأوسط اليوم، تحتاج الولايات المتحدة إلى دعم جهود أوروبية مماثلة في المستقبل.
يوفر التعاون مع أوروبا لواشنطن بديلاً إما للتحالفات الأحادية للقوة العظمى المنهكة، أو لتقييد السياسة الخارجية للولايات المتحدة للحفاظ على مصالحها من خلال صفقات مع دول الشرق الأوسط.
لكن أوروبا لا يمكن أن تكون شريكًا وثيق الصلة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ما لم تستعد أولاً للإدارة المقبلة، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات.
من الناحية النفسية، قد يشعر بعض الأوروبيين بالارتياح إذا تم انتخاب بايدن، فقد يكون طرفا المحيط الأطلسي حريصين على «إصلاح» العلاقة. ومع ذلك، قد تكون هذه الدفعة قاصرة فيما يتعلق بالتعاون في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن يغري الأوروبيون بإحياء حقبة القطب الواحد لأمريكا كشرطي عالمي، وهو نهج مضى وقته بوضوح.
من ناحية أخرى، إذا أعيد انتخاب ترامب، فإن الجانبين يخاطران باستمرار حالة عدم التوافق الحالي عبر الأطلسي، لكن لا يزال بإمكانهما الاتفاق على أولويات محدودة ولكنها ملحة مثل انتشار السلاح النووي الإيراني.
من الناحية التكتيكية، يحتاج الأوروبيون إلى تقديم جبهة أكثر توحيدًا، ولكن أيضًا أكثر فاعلية. بناءً على صياغة أفضل لأصولهم الوطنية والقارية في السياسة الخارجية، يمكنهم تنظيم أنفسهم في طليعة صغيرة من الأعضاء الراغبين والقادرين على إعداد مجموعة من المقترحات الملموسة للولايات المتحدة، ليس فقط من خلال E3 - فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة - بشأن الاتفاق النووي الإيراني، ولكن بشأن الأزمات الأخرى أيضًا، مثل المجموعة التي شكلتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي بشأن ليبيا. كما يجب عليهم أن يعالجوا بشكل ملموس إحباط واشنطن من عدم كفاية الالتزام العسكري الأوروبي تجاه الناتو. في المقابل، تحتاج واشنطن إلى أن تكون أكثر انفتاحًا على الأفكار الأوروبية وأن ترسل إشارات واضحة بشأن دعمها للجهود الأوروبية لتعزيز دفاعها، باستخدام جميع الأطر، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.
ما هي إذن الأجندة الأطلسية في الشرق الأوسط؟
لا يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تجاوز حدودهما، حيث إن النهج المفرط في الطموح من شأنه أن يثير انتقادات مشروعة بشأن الادعاءات الغربية لحكم المنطقة. علاوة على ذلك، فإن الأهداف المبالغ فيها من المحتمل أن تؤدي إلى الفشل، بالنظر إلى الموارد المحدودة المتاحة في عصر كورونا. سيكون الالتزام الأكثر تواضعًا ولكن الأكثر استقرارًا هو المفتاح لإعادة بناء التأثير الأمريكي والأوروبي الإيجابي.
يجب أن تكون إيران على رأس جدول الأعمال بين واشنطن وأوروبا بالإضافة إلى مكافحة انتشار الأسلحة النووية ويتطلب وقف التصعيد مع إيران دفعة منسقة من الولايات المتحدة وأوروبا نحو الحوارات الإقليمية حول العراق وسوريا واليمن ولبنان. يمكن لواشنطن والعواصم الأوروبية العمل معًا لجلب طهران إلى طاولة المفاوضات، مع الاعتراف بالمخاوف الأمنية الحيوية في دول الخليج واستخدام النفوذ الحالي مثل الإبقاء على عدد محدود من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا. سيكون الحوار المطالب مع تركيا بشأن سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط ضروريًا أيضًا للشرق الأوسط بقدر ما سيكون ضروريًا لمستقبل الناتو.
ومع ذلك، يجب ألا يركز الحلفاء الغربيون فقط على الأمن، حيث إن بناء مشاركة متجددة مع القادة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني في المنطقة، يمكن ويجب أن تساعد في معالجة أزمات المنطقة والمشكلات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب وباء كورونا. إن الأوروبيين والأمريكيين هم الأقدر على تصميم حزم طموحة من المساعدة للشرق الأوسط بمساهمات من المؤسسات متعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، المرتبطة بالإصلاحات الصعبة المتعلقة بسيادة القانون وحقوق الإنسان.
لقد فقدت الولايات المتحدة وأوروبا نفوذها في الشرق الأوسط في العقد الماضي في منطقة عانت من الاستعمار الأوروبي والهيمنة الأمريكية، ومع ذلك، لا تزال للولايات المتحدة وأوروبا مصالح مشروعة في المنطقة. من خلال إعادة التفكير في تعاونهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكنهم تقديم مساهمة حيوية متعددة الأطراف للمساعدة في معالجة الأزمات الاجتماعية والتوترات بين الجهات الفاعلة الإقليمية.
يعد خفض التصعيد والإصلاح في الشرق الأوسط أمرًا حيويًا لأوروبا وضروريًا للولايات المتحدة إذا كانت الإدارة الجديدة في واشنطن تريد حقًا إنهاء «الحروب التي لا نهاية لها» وإعادة النظر في العلاقة مع المنطقة.
** **
تشارلز ثيبوت هو زميل زائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ودبلوماسي فرنسي محترف - عن (ذي هيل) الأمريكية