الجزيرة الثقافية - حاورها/ جابر محمد مدخلي:
كل من حمل العبارة إلى مينائها الآمن هو مشتغلٌ بالإبداع حتى ولو لم يكن مُبدعاً؛ فالكتابة إلهام يغسل الكاتب والقارئ بآنٍ واحد وفي شعور ورقيّ لا يمكن إتلافه طالما هناك رغبة في الوصول إليه. هذا تلخيص صغير جداً إلى جوار عدة تلخيصات أخرى لما وجدته في أوراق الروائية الإماراتية الشابة زهرا موسى فهي الآتية من الخطاب السردي، والجالسة داخل حقلها الروائي الإبداعي منذ البدء. هي الروائية التي قالت: «هناك من يكتبني» ولم تقلها عبارة، وإنما قالتها رواية. وهي التي اقتبست من الأذان والصلاة نعمة وحياة، وراحت تلخص الحياة بنداء لكافة البشر: بـ «حيّ على الحياة» وفوق كل هذا ذهبت للأعلى، للأعلى تماماً حيثُ جعلت من كامل سنواتها التي عاشتها مرهونة «بعمر سبع سماوات» في شعور خفاّق يطوف بنا عالياً؛ حتى لنشعر ونحن نقرأها أننا أمام مجدٍ روائيٍ اُفتتح للتو ليحمله الجيل الإماراتي والخليجي من جديد ويعتليان به مناص التتويج العالمية.
الروائية التي هبطت من رواية بعمر سبع سماوات إلى الأرض بآخر أعمالها «مشردون» لتبحث في الذات البشرية، وتدرس واقع الأرض الذي وجدته عالماً مشوهاً، مألوماً بحب الذات، وتسريب قادم من قلوب البشر، وقحط في الرحمة والشعور بنعمة الألفة المطرودة من قلوب الكثير في زمنٍ يصيح من فوق سطح الأرض بشواهد مثبتة لعالمٍ يشتعل من بين جنباتنا.
زهرا موسى التي اشتغلت بالكتابة وجعلتها هماً وواجباً .. تستضيفها الجزيرة الثقافية اليوم؛ لتسلّط الضوء على تجربتها، وتضعها أمام قرائها في حوار مفتوح لتقترب منهم أكثر:
* تفتتح جريدة الجزيرة ومجلتها الثقافية حوارها معكم بالترحيب والحفاوة:
- أبادلكم التحية، وآمل أن يكون الحوار لائقًا بكم وبقرّاء جريدة الجزيرة وملحقها الثقافي.
* لعلي أبدأ حواري معكم من آخر أعمالكم ثم نصعد لأعلى هرم تجربتكم الإبداعية: روايتكم «مشردون» أليست عتبة عنوانٍ مُحزنة؟ هل النص يوحي بذلك حقاً؟ ثم لماذا مشردون تحديداً؟
- «فردة حذاء لمشرّد على سلك كهربائي» كانت الشرارة الأولى لكتابة هذا النص.
وهنا يأتي دور الكاتب في عدم التخلي عن الناس الذين آواهم الرصيف والألم بدل الأمان والفرح .. حتى وإن كان النص يحمل أحزاناً في سطوره إلا أنه انعكاس لواقع الإنسان المشرّد ولا مفر من ذلك، وارتأيت أنه من قبيل الواجب الإبداعي عليّ تسليط الضوء عليه.
* بين عملكم الأول والأخير هناك بونٌ شاسع من حيث فرادة الانتقاء، وجماليات المخزون اللغوي، وقفزات هائلة في الصنعة الأسلوبية فما الذي طرأ على قلم مبدعتنا؟
- فكرة هذه الرواية مختلفة عن شقيقاتها، وبناء على فكرة النص يستخدم الراوي حاجاته من الأدوات المناسبة: كاللغة، والشخصيات، وخط سير الأحداث ومن ثم يحولها إلى مشهد روائي يتيقن تماماً أنّه القالب المناسب لما يراه، ويخدم عمله.. في روايتي الأخيرة «مشردون» كانت جميع الأشياء والكائنات ناطقة تمرر رسالة ما إلى القارئ بما فيها الحيوانات والأشجار؛ وبرأيي من هنا جاء الاختلاف بين هذه الرواية وسابقاتها.
* «حيّ على الحياة» جاء نداءً بحجم رواية، فهل وجد هذا النداء برأيكم حتى الآن إجاباته؟
- الإجابات تكمن في النداء نفسه، في أن يطلق الإنسان أفكاره وآماله ويحررها من عبودية الخوف ودائرة المستحيل، النداء هو الحلم والإجابة بآن واحدة، هو تحقيق هذا الحلم ولا يكون ذلك إلا بالتصالح مع الحياة ثانياً، ثم التوكل على الله أولاً.
* عنونتم لمجموعتكم القصصية الوحيدة والجميلة، بـ « حتى الملوك يبحثون عن الحُب» ألا تتفقين معي بأنّ عنوان كهذا سيدفعنا للبحث عن هوية هذا الحُب وماهيته؟ أم أنّه جاء كعتبة لجذب القارئ ليس إلا؟
- الحب الذي يبحث عن هوية لا يعوّل عليه، كل إنسان يبحث عن حب ما في حياته وبطريقته، هناك من يجد ضالته وينتصر في معركة بحثه، وهناك من يظل طوال حياته يبحث عن شيء ما أو شخص ما، وكلما يصل إلى نقطة ما يبدأ من جديد. لا أحد يخسر في هذه الحرب الداخلية بين الإنسان وروحه. وأتمنى أن يجد القارئ شيئاً من الحب في هذه المجموعة القصصية التي اعتمدت فيها على أدب القصة القصيرة!.
* برأيكم الفلسفي الجميل الذي شهدت لكم به جمال روايتكم الأخيرة «مشردون» الصادرة عن دار الساقي، هل يمكن للإنسان أن يتخلص من تشرّده ذات يوم؟
- التشرد هنا نوع من أنواع جلد الذات أيضاً، يبقى الإنسان صاحب القرار الأول، إما ينحني أمام جبروت الدروس القاسية التي تسددها الحياة له ويستسلم أو يواصل المسير مستقيماً وإن كان معطوباً. كل شخص يحمل في جعبته الكثير من الأوجاع التي تنهش في روحه كل لحظة، ومع ذلك هناك من يختار إدارة ظهره لها، وهناك من يضع النقطة الأخيرة ويغادر.. ويظل القرار بيد الإنسان.
* لو كانت لديكم جُملة أخيرة لقرائك وقراء الجزيرة الثقافية الأعزاء فما هي؟
- أيها القارئ العزيز: ضع ثقتك بنفسك، وآمن بما يوجد في داخلك؛ وتيقن أنّ نور الإيمان هذا سينعكس على ملامح أحلامك.. وأخيراً آمل أن يكون الحوار لطيفاً على القرّاء؛ لقد سعدتُ بتواجدي بينكم، وبوركت مساعيكم...