د. صالح بن سعد اللحيدان
تدوين الآثار مشكلة عقلية كان العلماء خلال عصور خلت يتهيبونها كثيراً إلا من كان ذا جلد وكان ذا شعور بالمسؤولية بعثها الصدق والنزاهة.
فهذا النوع من كبار العلماء منذ بدء القرن الأول من سنة 105 حتى عام 750 للهجرة فقد كانوا يرحلون لطلب لقيا من عنده أثرٌ أو حديثٌ أو خبرٌ يوصلهم إليه بسند متصل ثابت لا من مجرد السرد والرواية والإخبار فقط فإنهم كانوا لا يعولون على مجرد الحكاية، بل هم ينفرون منها الفرار من المجذوم وكانوا هم أنفسهم يُباشرون التدوين والتصحيح والتضعيف والتدقيق والصف والترتيب، وكانوا يرون الاستعانة بغيرهم حتى ولو كان ابناً أو بنتاً أو مصاحباً أو تلميذاً يرون ذلك خللاً قاسياً في باب عمق الأمانة ونزاهة التدوين. ولهذا كانوا هم أنفسهم يُباشرون كافة القيام بالتدوين.
ومن عجيب الأمر هنا أنهم كانوا إلى هذا يُضيفون جديداً من النظر والاجتهاد في النص لا الاجتهاد مع النص.
كانوا يجددون ويتسابقون في هذا كثيراً من غير تجريح أو ذم أو قدح للآخر فإن كان ولا بد فإنهم ينحون صوب أدب الخلاف وكمال الخلق القويم، وأستطيع وأنت كذلك أن تُقارن بين:
1 - ابن جرير الطبري وخليفة بن خياط.
2 - ابن كثير أو ابن الأثير.
3 - ابن خلدون ومن قبل ابن هشام.
4 - حماد بن مسلمة وابن أبي عروبة.
5 - الأصمعي وابن قتيبة.
6 - ابن إسحاق وابن جُريج.
طالع هذا وذاك فلن تجد نقلاً أو طعناً، بل الآثار والتدوين والأخبار مع توثيقها بلباس تجديدي جيد عجيب.
ولهذا نجد خلال القرون الثامن إلى اليوم كل مؤرّخ وإخباري ومدون للروايات يستشهد بهم أو ببعضهم ولا محيص إلا أن المتأخرين (وهذا 1 مؤسف) لا يُضيفون جديداً، بل بعضهم يخلط بين الإضافة النوعية والنقد القاسي أو بين بذل الرأي الجيد وبين الإسفاف بالقول ولعل أكثر ما يُقلق هو ترك السند للوصول إلى حقيقة الخبر أو الرواية أو الأثر.
وهذا دون ريب ليس جيداً في باب الأمانة وصدق التدوين ودع تكليف الغير كمن يكلّف ابنه مثلاً أو تلميذه أو غيرهما ليبحث عنه وينقل ويُخرر ويُبدي ويُعيد فهذه مشكلة لا تخفى اليوم، وهذه بالذات هي ما يجب نظره من خلال تأليف البحوث والرسائل العليا وتصنيف الكتب والروايات والأخبار وهناك تشابه كثير بين بعض الكتب والرسائل والدراسات وليس يُقال هنا أن هذا من (باب توارد الخواطر) كلا فهذا شيء وذاك شيء آخر، من أجل هذا وكون بعض الناس لا يقرأ جيداً ولا يُقارن ولا يتحسس من خلال النباهة وسرعة البديهة وعمق النظر فإن مثل هذا قد يزداد مع الأيام.
لقد كان من سبعة ذكرهم وغيرهم كثير كانوا على درجة عالية من هم التدوين وصدق الرواية بصدق وصحة السند، وكان هم الواحد منهم في تلك الأحايين هو السبق النوعي والبعد عن التكرار في الطرح سواء الزمان أو المكان، وقراءة مقدمة (صحيح مسلم) وهي مقدمة علمية، حديثية، تاريخية، تأصيلية، وقراءة جزء (2،3،6،7،8) من تاريخ (ابن كثير) وكذا نظر (الكامل) لابن الأثير يفي بالغرض وذلك عن شدة التدبر مع عدم الملال على كل حال.
(بريد الجمعة)
1 - سعد بن نافل الجودي الرشيدي/السودان.
البخاري ومسلم متعاصران.
2 - حمد بن سياق اليربوعي العامري/أبوظبي.
هناك فرق بين (العرينات والعرنيون).
3 - أسماء.م.ع/ جامعة الملك سعود/الرياض.
الذي تسألين عنه لا أعرفه.