سهام القحطاني
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (سورة الأنبياء، 107) اللهم صل وسلم على نبينا محمد أفضل وأعظم البشرية.
لماذا يكره ويخاف الغرب من الإسلام؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من توضيح أمر مهم؛ وهو أن كل ما يقوم به من يدعون الإسلام من تطرف وإرهاب بداية من الإخوان المسلمين مروراً بالقاعدة والدواعش ووصولاً إلى إرهابي كنيسة نوتردام في فرنسا ومن سيأتي على شاكلته في أي مكان وزمان، الإسلام والمسلمون بريئون منهم.
فالإسلام دين الرحمة والمحبة والتسامح والإنسانية منذ فجره وسيظل كذلك بمشيئة الله لن تغيره أو تضره الفئات الضآلة، فهو بمعية الله الذى كفله بالعناية والاستمرار حتى قيام الساعة.
فقد عاش رسولنا أعظم البشر -ولنا فيه الأسوة العظمى- بين اليهود والمسيحيين في تسامح ومحبة ولم يتجرأ عليهم أحد من المسلمين، وتزوج من امرأة كتابية السيدة «مارية بنت شمعون القطبية» ليُرسخ قيم المحبة والقبول والتسامح مع الآخر، وزار عليه أفضل الصلاة والسلام جاره اليهودي المُؤذِي وهو مريض ليؤكد عليه أفضل الصلاة والسلام على قيم الإنسانية مع الآخر.
كما عاش المسلمون في ظل الخلافة الإسلامية مع المعتقدات الدينية الأخرى في سلام انطلاقاً من قيم الإسلام العظيمة التي رسخت لحقوق الآخر والحفاظ على حياته وحريته بصرف النظر عن عقيدته وتشاركا جميعا في صنع أعظم حضارة إنسانية.
هذه هي القيم الحقيقة للإسلام مع الآخر وهذه هي الثقافة الحقيقية السلوكية والفكرية للمسلم مع الآخر، التي غيّبتها الفئات الضآلة والإرهابية عن أتباعها ليصنعوا منهم مجرمين وسفّاحين يشوهون الإسلام الناصع ويضرون بالمسلمين الحقيقين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
بدأت فكرة صراع الأديان من خلال الحضارات منذ ظهور مقالة «صدام الحضارات؟» عام 1993م لصموئيل هنتنجتون أستاذ العلوم السياسية الذي وصفته جامعة هارفارد «بمعلم جيل من العلماء» و»أكثر علماء السياسة تأثيراً في القرن العشرين».
هذا المقال الذى أثار الجدل لمدة ثلاث سنوات كما قال هنتنجتون حتى قرر التوسع في الفكرة ومناقشة كل ما أُثير حولها في كتاب «صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الجديد»، الذى يسعى كما قال في مقدمة الكتاب إلى «تقديم إجابة أشمل ووأعمق وموثّقة عن سؤال المقال» ومن خلال العديد من المضمونات منها «العلاقة بين القوة والثقافة، الصراعات التي تولّدها عالمية الغرب، العسكرية الإسلامية، التوازن والاستجابات المنحازة للقوة الصينية».*
وبذلك فإن هنتنجتون وضع الحضارتين الإسلامية والصينية كعداء عالمي محتمل أمام الحضارة العالمية بشقيها الأمريكي والغربي وهو عداء سيسهم في إعادة النظام العالمي، والسبب في رأيه لأن كل منهما «ينتظم تقاليد ثقافية عظيمة تختلف جداً عن التي لدى الغرب، وفي نظرهما أرقى من تقاليد الغرب بمراحل لا محدودة».
وقد حدث التغيير الأول لتفكيك النظام لعالمي الذي أُسس في ظل الحرب الباردة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول الذى أتُهم فيه المسلمون برعاية الإرهاب وتفريخه.
وها نحن اليوم أمام المنعطف الأخير قبل إعادة صياغة نظام عالمي جديد كانت الصين من خلال «وباء كورونا» الذي صّدرته للعالم بقصد أو دون قصد ليُصبح هذا الوباء ذريعة لإظهار نظام عالمي جديد.
وبذلك تحققت نبوءة هنتنجتون بأن الإسلام والصين أصبحا هما -كما دُفع لهذا الاعتقاد- وراء تغير النظام العالمي الآني والقادم.
عندما شرح هنتنجتون فكرة صراع الحضارات اعتمد على «مكامن قوة الثقافة» أو كما قال العلاقة بين القوة والثقافة.
ونستطيع أن نحدد ثلاثة أسباب للتفوق المحتمل للثقافة الإسلامية في ظل الحضارة الغربية وفق المنطق الهنتنجتوني هي:
* ثبات أصولها التاريخية وقدرة تلك الأصول على الاندماج مع الثقافات الأخرى دون تأثير التفكيك أو الانصهار، وتلك الخاصية تمنحها القدرة والاستطاعة على المحافظة على الخط الفاصل بين التأثير الآمن والتأثير الغالب.
* جاذبية أصول الثقافة الإسلامية للآخر وهو ما يهدد ثبات ثقافة الآخر وهويته.
* امتلاكها مقومات «الغلبة الثقافية» من خلال النمو البشري المتكاثر في أمريكا والغرب، وقد أشار هنتنجتون إلى هذا الأمر في مقدمة كتابه إلى أن «الأثر الحاسم للنمو السكاني على عدم الاستقرار وتوازن القوى» سبب من أسباب الصراع الحضاري.
ويذهب مركز «بيو» الأمريكي في أحدث إحصائياته بأن العقود الأربعة المقبلة ستشهد ارتفاع نسبة انتشار الإسلام في أوروبا بنسبة 75 في المائة في حين سيكون انتشار المسيحية بنسبة 35 في المائة وتعود نسبة هذا الانتشار السريع كما يذهب المركز إلى ثلاثة أسباب: نسب الخصوبة العالية ووجود شريحة الشباب الأكبر، والثبات العقدي.
وتفوق المسلمين في هذه العوامل هو الكافل لتوسع انتشار الإسلام من أي ديانة.
أما على مستوى أمريكا يذهب المركز إلى «أن الديانة المسيحية في الولايات المتحدة ستشهد تراجعاً حيث سيشكل أتباعها عام 2050 نحو ثلثي عدد السكان، في حين كانوا يشكلون ثلاثة أرباع السكان. وستقفد الديانة اليهودية مرتبتها كثاني أكبر ديانة في الولايات المتحدة، لتحل محلها الديانة الإسلامية».
وهذه الاحصائيات لها مؤشراتها وأهمها؛ خطورتها على هوية أوروبا وقوانينها السياسية وأنظمتها الاجتماعية وهو ما يهدد تاريخية المكون الثقافي الأوروبي ويدفع إلى الصراع والسبب كما يقول هنتجتون إلى «أن الاحتكاك والامتزاج بين المسلمين والغربيين يِثير في كل الجانبين إحساساً بهويته الخاصة وكيف أنها تختلف عن هوية الآخر.... وهذا فإن أسباب الصراع المتجدد بين الإسلام والغرب توجد في الأسئلة الأساسية للقوة والثقافة».
وتظل الحقيقة الناصعة أن الغرب لا يخاف من الإسلام بسبب تطرف أصحابه الذي هو من صناعة العنصرية الغربية والتنمر المستمر على الإسلام؛ بل بسبب قوة الثقافة الإسلامية التي حذر منها هنتنجون والتي قد تتحول إلى «مكون غالب» في أوروبا و»مسيطر على تفاصيل هويتها».
سنظل فخورين بإسلامنا الوسطي العظيم، دين الإنسانية والرحمة والمحبة رغم كل الأصوات الضالة والعنصرية.
... ... ...
* كتاب صدام الصراعات وإعادة بناء النظام العالمي: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب