يا قلبُ ما خَفَتَ الشوقُ الذي تَجِدُ
وهذه القُبَّةُ الخَضْرا وذا أحُدُ
وفي قُبَاءَ طِوالُ النخلِ شامخةٌ
رؤوسُها، والثرى بالمسكِ منعقدُ
فاهدأْ بقربكَ يا قلبي وقد سُعِدَتْ
نِياطُكَ اليوم لكنْ أنتَ ترتعدُ
ذُبْ في وصالِ حبيبِ الله وادْنُ إلى
حِماه، حُبُّ الحبيبِ الرِّفْدُ والعَضُدُ
وانثرْ على صاحبيه من سلامكَ ما
يدنيكَ من شرفٍ لم تدَّخِرْهُ يدُ
صَلَّى على المصطفى ربي العظيمُ وقد
به إلى منهج الرشدِ الأنامُ هُدُوا
حبيبُنا سيِّدُ الرُّسْلِ الكرام له
دَيْنٌ على الخلق ما يوفيه مجتهدُ
حين اصطفاه تعالى في جلالته
أَرْقاه منزلةً ما نالَها أحدُ
لِسِدْرَةِ المنتهى أدناه خالقُهُ
أَعْظِمْ بما قد حباهُ الواحدُ الصمدُ
وانسابَ نهرُ السما للأرض مندفقاً
إلى الرسول الذي حُلَّتْ به العُقَدُ
شعابُ مكةَ ماجَتْ بالهدى فَهَفَتْ
حِرَارُ طَيْبةَ حتى أقْبلَ المَدَدُ
فَشَعْشَعَ النورُ في ربعِ المدينةِ من
وجهِ الرسول فِدَاهُ النفسُ والولدُ
وشَادَ صلى عليه اللهُ منعرَجًا
للطُّهْرِ لا فُرْقةٌ فيهِ ولا حسدُ
مهاجرون وأنصارٌ غَدَوْا جَسَدًا
إذا اشتكى منه عضوٌ أشفقَ الجَسَدُ
وانداح من طيبةٍ نورُ الهدايةِ لم
يَحْجُبْهُ حقدٌ ولم يعصفْ بهِ كَمَدُ
وافَى بِهِ مِنْ رجال الله مَنْ صَدَقُوا
في عزمهم فاستَتَبَّ الأمنُ والرغَدُ
وبالجهاد انْضَوَتْ كلُّ البلاد إلى
رَكْبِ الرسالة حتى لم يَغِبْ بلدُ
سَلْ عن عدالتهم شامًا وسَلْ يمنًا
والشرقَ والغربَ والشوكَ الذي خَضَدُوا
تُجِبْكَ كلُّ شعوبِ الأرض قاطبةً
وقد تَنَوَّرَها الإسلامُ والرَّشَدُ
مِنْ هاهنا انبَثَقَ النورُ المشعُّ فما
غيرُ الولاء لربِّ الكونِ يُعْتَقَدُ
وباتتِ الأرضُ كلُّ الأرض مسلمةً
لله والصفُّ مرصوصٌ ومتَّحدُ
ومن غبار الصحاري قام صرحُ هُدًى
تسمو به من رشاد المصطفى عُمُدُ
فالحَمد لله أن اللهَ شَرَّفَنَا
بأننا لِحِمَى خَيرِ الورَى نَفِدُ
وأن هذا الترابَ التِّبْرَ منبِتُنَا
وأنَّنا بالترابِ التِّبْرِ ننفرِدُ
كأنما الأرضُ للإسلام قد خُلِقَتْ
والمسلمون لخير الأرض قد وُجِدوا
ما عَفَّروا لسوى الرحمن أوجههم
وإنما هم تساموا حينما سجدوا
موحدون لرب الكون ما عَبِثَتْ
خرافةٌ بهمو ما زاغ معتقدُ
لذاك باتَتْ عيونُ القومِ ساخنةً
يجتاحها حسدٌ يسري بها رمدُ
على الصليبِ انْتَدَوا، تَعْسًا لهم، عقَدُوا
عزما على الهدم، يا تَعْسًا لما عقَدُوا
إذا سألتَ فسَلْ تاريخَ أندلسٍ
وغُلْفُ محكمةِ التفتيش قد شهدوا
وافهمْ جريمةَ (ماجلّانَ) حين رمى
بالنار مركَبَ مَنْ للحج قد قَصَدُوا
وفي الجزائرِ آلافُ المجازر ما
شَفَتْ غليلَ فرنسا وهي تبتردُ
ونارُ (بَلْفورَ) ما زالَتْ تَأجَّجُ في
ثرى فلسطين إحراقًا وتتَّقِدُ
ومصرُ والشامُ ما زال الشِّواء بها
يزداد حَرْقًا وفُو الجزار يزدردُ
وحَدُّ سكينِ (سِكْ بِيكو) يقطِّعُ في
أوصالِ أمتنا والخَطْبُ معتمَدُ
ذا بعضُ غيضٍ قليل من فيوضِ أسى
ما زال يجتاحُنا والعدلُ مفتقَدُ
فما المزيدُ الذي يُهْديه في سَفَهٍ
(مَكْرونُ) أو (شارْلُ بيدو)؟!كلهم بَدَدُ
وما لأمتِنا إلا الثباتُ على
هُدَى الرسولِ، عليه نحن نَتَّحِدُ
للعِزِّ في كَنَفِ الإسلام مُلتَحَدٌ
والذلُّ حَتْمٌ على مَنْ باتَ يبتعدُ
** **
- أحمد بن يحيى البهكلي