د.أيمن بن علي شربيني
قد يظن البعض أن هذا الفيروس بما له من آثار سلبية على الصحة النفسية والجسدية وأيضاً على الاقتصاد المحلي والدولي، لم يصنع عادات إيجابية في حياتنا ومجتمعنا. نجد من أهم العوامل الإيجابية التي ظهرت لدينا في علم التسويق وبخاصة فيما يتعلق بسلوك وعادات المستهلك وطريقة الإنفاق. بدأنا «وقد نكون مجبرين» على تغيير عادات الشراء في حياتنا اليومية وتقليص عدد مرات الذهاب للأسواق للشراء احترازياً، مما أدى إلى نزول كبير في كمية شراء السلع والخدمات. فأصبح توجه المستهلك للحاجات الضرورية قدر الإمكان مبتعداً عن كثير من الكماليات وسلع الرفاهية. بل وقد غيرت الجائحة طريقة تعاملنا مع الضيوف القادمين إلى منازلنا ومناسباتنا من حيث العدد ومدى صلة القرابة معنا. أصبحت كثير من الأسر السعودية تعتذر أو على الأقل تحد من زوارها احترازياً؛ مما قلل الإنفاق على الأطعمة والمشروبات التي كانت تصرف في هذه المناسبات. ولعله من الجميل في هذه الأوقات أنها نظمت الزيارات بين الأفراد، فنجد أصبح من الضروري الاستئذان قبل الذهاب للزيارة وذلك لعل المُضيف لا يرغب باستقبال زوار لظروف صحية أو احترازية.
ليس هذا فحسب، بل وتغيرت عاداتنا في الأفراح لتصبح بما لا تتجاوز 50 فرداً «احترازياً أيضاً»، لتكون تكلفة الفرح في حدود الـ 20 ألف ريال أو أقل. وقد أجبرت قصور الأفراح على عمل مزيج تسويقي متناسب مع الطلب الجديد تاركة الحفلات التي كان يتجاوز عدد الحاضرين 500 ضيف في ذاكرة الماضي.
أما عن طرق الترفيه، فقد اتجهت الأسر إلى تجمعات أقل عدداً نسبياً خوفاً من انتشار الفيروس، وقد انعكس على الاهتمام بتعقيم الممتلكات والأيدي باستمرار والاهتمام بالصحة العامة. تاركة التواصل مع الأصدقاء والمعارف على استخدامنا للتقنية والتعلم على برامج التواصل الاجتماعي، وهي أيضاً إحدى «إيجابيات كورونا» فالكبير والصغير أجبر على التعامل مع التقنية للتواصل مع الغير في زمن الجائحة.
أصبح الكثير يهتم بالصحة والمأكولات المفيدة والتي تصنع جلها في المنازل ومحاولة الابتعاد عن عمل المطاعم «احترازياً» مما جعلها ممارسة مفيدة داخل المنازل. وأصبح هناك توجه كبير للأفراد على صناعة قهوة مميزة في المنازل بطرق احترافية مبتكرة وأجهزة منزلية شخصية. كما وأصبح هناك اجتماع أسرى أكثر مما سبق تناغم معه التعرف على شخصيات أفراد الأسرة وترابط اجتماعي أكثر.
وقد نبع من الاهتمام بالصحة الجيدة توجه الكثير للرياضة المنزلية والمشي في الأماكن المخصصة لذلك. ويبقى السؤال الأهم بعد ذلك هل ستبقى عاداتنا الحالية في ترشيد الإنفاق الاجتماعي وزيادة الترابط الأسري مستمرة بعد الانتهاء من هذه الجائحة وآثارها؟ أم ستعود كما كانت سابقاً؟
** **
- أكاديمي مختص في التسويق وريادة الأعمال