ربما تكون جائحة كورونا أقسى أزمة صحية يشهدها العالم في العصر الحديث، وربما كانت من أقسى الأزمات والجوائح الصحية التي عرفتها البشرية على مرِّ التاريخ إن لم تكن أقساها على الإطلاق وأشدها فتكًا ففي غضون أقل من عشرة أشهر فقط تفشَّى فيروس كورونا المسمى (كوفيد - 19) وانتشر على نطاق واسع وتحول إلى جائحة فتَّاكة أصابت حتى وقت كتابة هذه السطور أكثر من 35 مليون إنسان، وحصدت أرواح أكثر من مليون إنسان لقوا حتفهم بسبب هذا الوباء الخطير الذي لا يوجد له علاج أو لقاح فعَّال حتى الآن.
ولعل التقدم في حركة النقل والسفر والطيران حول العالم كان أحد أبرز الأسباب التي أسهمت في سرعة انتشار فيروس كورونا (كوفيد - 19) وانتقاله بين البشر في جميع أنحاء العالم تقريبًا، الأمر الذي أدَّى إلى إرباك مختلف الدول والمجتمعات، وأوقع الحكومات في مآزق ضخمة للغاية من كافة النواحي؛ لأن هذه الجائحة قد أثَّرت في مختلف جوانب الحياة المعاصرة، وكان لها تداعيات غير مسبوقة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وصحيًّا وثقافيًّا، وعانى جرَّاء هذه الجائحة غير المسبوقة ملايين الناس الذين تعطلت أعمالهم وفقدوا وظائفهم في معظم دول العالم سواء: الغنية والفقيرة، المتقدمة والنامية، ولا تزال دول كثيرة تعاني على صعيد توفير الخدمات الطبية والإمدادات الغذائية والتموينية، أو على صعيد تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية بسبب تأثر عجلة الاقتصاد أو توقُّفها عن العمل، نتيجة للحجر الصحي والإغلاق الذي استمر عدة أشهر، والمشكلة الأخطر الآن التي يحذر منها خبراء الصحة العالمية هي وجود تهديد حقيقي بتفشي موجة ثانية من الجائحة من المتوقع أن تضرب العالم خلال فصلي الخريف والشتاء القادمين، وهذا ينذر بعواقب وخيمة جدًا - لا قدر الله - على الاقتصاد العالمي الذي ما زال يعاني أصلاً بسبب تفشي الموجة الأولى في شهر مارس الماضي!!
وفي ظل هذه الجائحة وما نجم عنها من أوضاع محزنة بل مأساوية في عدد كبير من دول العالم تأتي بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية من بين عدد قليل جدًا من الدول التي استطاعت مواجهة هذه الجائحة بكل حكمة وتفوق واقتدار، بل إن بلادنا العزيزة قد تفوَّقت في إدارة هذه الأزمة المعقدة على عدد كبير من الدول العظمى؛ وذلك بفضل الله تعالى أولاً، ثم بفضل حنكة وحكمة مولاي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - وسمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - فقد بادرت حكومتنا الرشيدة منذ البداية إلى اتخاذ حزمة من التدابير والإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة في المملكة وحماية المواطنين والمقيمين منها ومن آثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي الحقيقة فإن حزمة الإجراءات التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة لمواجهة أزمة كورونا قد لا يكون لها مثيل على مستوى العالم، ومن بين هذه الإجراءات توفير الرعاية الصحية بالمجان لجميع المصابين من السكان على أرض المملكة دون تفرقة بين مقيمين ومواطنين، فالكل في الإنسانية سواء، وهذا في الواقع ناتج عن النبل والسمو والإنسانية الحقيقية التي يتمتع بها ولاة أمرنا حفظهم الله.
ومما ساعد على احتواء الأزمة والتقليل من آثارها السلبية على السكان إخلاص وتفاني أبناء المملكة البررة المخلصين في كافة القطاعات والميادين، ولا سيما العاملين في القطاع الصحي وعلى رأسهم معالي وزير الصحة وإخوانه في الوزارة، وكذلك في القطاع التعليمي وعلى رأسه مهندس التعليم وربان سفينته معالي وزير التعليم، وجميع زملائه أصحاب المعالي رؤساء الجامعات، وكافة المسؤولين في قطاع التعليم الذين بذلوا جهوداً جبارة في المحافظة على استمرار سير العملية التعليمية خلال الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي، وانطلاق العام الدراسي الحالي في موعده دون أي تغيير أو تأجيل، كما بذل القطاع الأمني بجميع فروعه وتخصصاته جهودًا كبيرة في ضبط الأمور الأمنية والقيام بالتوجيه والإرشاد، وقام أمراء المناطق بجهود جبارة، وبذلوا غاية وسعهم للتعامل مع جائحة كورونا ولم يدخروا أي جهد في وضع التدابير والاحترازات الصحية والوقائية ومراقبة ومتابعة تنفيذها على أكمل وجه حمايةً للمواطنين والمقيمين.
في الواقع إنني أشعر كغيري من أبناء هذا البلد المبارك بعظيم الفخر والاعتزاز لأننا ننتمي إلى هذه البلاد المباركة،وانطلاقًا من قوله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) نشكر الله تعالى أولًا فهو سبحانه الذي منَّ علينا بهذه النعم كلها، ثم الشكر موصول كذلك لولاة أمرنا، انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ) فحقٌّ علينا أن نتقدم بأسمى آيات الشكر والعرفان لمولاي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز - أيَّده الله - ولسمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ولسائر المسؤولين في حكومتنا الرشيدة، فقد قاموا بعمل جبَّار لوضع بلادنا الغالية في غاية التأهب والاستعداد لمواجهة جائحة كورونا، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل خدمة المواطن والمقيم، وحماية صحة جميع السكان من هذا الوباء الفتَّاك، والسهر على راحتهم، حتى أصبحت بلادنا ولله الحمد والمنَّة من أولى دول العالم في مواجهة الأزمات وصانعة الحلول بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يُجزل لولاة أمرنا المثوبة والعطاء، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يحفظ بلادنا ومملكتنا الحبيبة من كل مكروه وسوء، وأن يُديم مجدها وعزها في العالمين، جزاء ما تبذله في سبيل نشر الخير، وحماية الحق والعدل، ومساعدة الإنسانية في كل مكان.
** **
د. عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي - أستاذ الدراسات العليا بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية