د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
أشرنا في مقالة سابقة إلى كيف تعزّز «المواطنة الفاعلة» الهوية الوطنية، وأكدنا على أهمية البرامج الحوارية تحقيقاً لأهداف ومفهوم «المواطنة» وبأن ولاء وانتماء الفرد لوطنه لا يولد معه، ولكنه ينمو تدريجياً، من خلال ما تبذله الدولة من جهود الخدمة والرعاية.
وفي هذا الصدد، فإن لتشجيع المرأة على المشاركة المجتمعية أهمية خاصة في «المواطنة الفاعلة» وذلك تقديراً لدورها في بناء المجتمع وتجديداً لمكانتها وموقعها في الإسلام، وحرصاً على الاستفادة من إمكاناتها وقدراتها، باعتبارها تشكِّل نصف المجتمع.
كما أنه من الأهمية القصوى بمكان، إعلاء «المواطن الفاعل» لقيمة حب وطنه وتقوية مشاعر انتمائه له، من منطلق أن الوطن هو الدائرة الأكبر، والأوسع، والأشمل، والأولى، والأعلى من الانتماءات خارجه.
كما أنه لا بد لنا من تشجيع البحوث والدراسات والمناشط التي تهتم بفكر «المواطنة» وتطويره، والعمل على نشر مخرجات هذه الدراسات، والاهتمام بتوصياتها تفعيلاً لتأثيرها، أملاً في نقلها من مجال الفكر والنظريات، إلى أرض الواقع، خاصة في مجالي الأمن الفكري والوحدة الوطنية، اللتين -كما ذكرنا في المقالة السابقة - أسس لهما نايف بن عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه -كرسيين علميين خاصين في جامعتين سعوديتين، أسهما بدور فاعل ومؤثِّر في تحويل مفهوم التنمية الثقافية إلى واقع عملي وتطبيقي، دور يخدم قضايا الأمن الفكري والوحدة الوطنية، ويعزِّز عملية المواطنة في آن واحد.
كما أن دعم عملية بناء الشخصية المتوازنة والمتكاملة للإنسان السعودي، رجلاً وامرأة، والاهتمام بتنشئة الشباب والفتيات، باعتبارهم المكون الرئيس والأساس لمستقبل الوطن، يساعد على التأسيس «لمواطنة فاعلة»، ما يعني أن نشر ثقافة «المواطنة» بين أفراد المجتمع أمر في غاية الأهمية، ليس كبديل للأفكار المتطرفة أو المنحرفة فحسب، بل كتيار رئيس لمجرى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، دعماً «للمواطنة» وإعلاء لقيمتها.
ونجده لزاماً علينا التنويه هنا، عن أنه من أبجديات تحقيق «المواطنة الفاعلة» العمل على نشر ثقافة الحوار واحترام الآخر، وترسيخ مبدأ حق الاختلاف في الرأي، انطلاقاً من القيم والمبادئ الإسلامية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، التي تعلي من هذه الثقافة، باعتبارها الضمانة لعدم إفراز أجيال من الشباب فاقدي الهوية، الذين تعبث الفئات الضالة بعقولهم، والضمانة لحماية الشباب من التعصب وأحادية الرأي، اللذين يعتبران أهم المداخل الحقيقية لصناعة «الإرهاب».
وعندما نتحدث عن «المواطنة» فلا بد من التأكيد على أمر مهم جداً، ألا وهو تغليب روح الانتماء للوطن، والعمل على إشاعة ثقافة الانتماء، وإلغاء النعرات الطائفية والمذهبية، وتأكيد خطورتها على الوحدة الوطنية، وتهديدها للنسيج الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تعميق عوامل الهوية الوطنية ضد الانتماءات «الفرعية» التي تؤدي إلى إضعاف الولاء الوطني، لمصلحة تكتلات فئوية هامشية وضيقة.
كما أن العمل والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني على تعزيز مبدأ المشاركة المجتمعية، وعلى نشر ثقافة التسامح الديني، ومناقشة الآخرين انطلاقاً من مبدأ {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، تحقيقاً لهدف {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، صدق الله العظيم، موضوع يتطلب الاعتناء به تحقيقاً «للمواطنة».
وينبغي أن لا نغفل أن نعطي عملية تعزيز التنشئة المدنية الأهمية التي تستحقها، في تفعيل المواطنة الحقَّة، تأكيداً لقيمة «المواطنة» ودعم اتجاهات السلوك الإيجابي للفرد في بناء الوطن، وتأكيداً لقيمة الولاء والانتماء، من خلال المحاضرات والندوات واللقاءات المختلفة.
كما أن تعزيز مبدأ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية، وحشد وتعبئة جهود القطاع الخاص، وتشجيع المبادرات الأهلية على الرؤى الوطنية، والعمل على ترسيخها بين كافة مكونات وشرائح المجتمع، أمر آخر لا بد من التعامل معه دعماً «للمواطنة الفاعلة».
ونجده من المناسب هنا الإشارة إلى توصية الملتقى الفكري الخامس لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، التي أكّدت على تطوير دور المؤسسات الاقتصادية في المشاركة المجتمعية.
ونختم بالتأكيد على أن تنظيم الملتقيات التثقيفية لشرح معنى «المواطنة» رفعاً لمستوى الوعي بها، وتأكيداً لقيم التسامح، وتعميقاً لاحترام الرأي الآخر، وترسيخاً للتفاعل المجتمعي مع ولاة الأمر، يمثِّل سلوكاً مهماً لتعزيز «المواطنة الفاعلة» وتأكيد الولاء للوطن.