شريفة الشملان
في خضم المشكلة عندما أراد (ماكرون) أن يكحلها عماها عمى شديدًا جدًّا؛ إذ أفقد الكثيرين منا ومنهم البصيرة، لكن في الوقت ذاته خرج كثيرون من غير المسلمين والعرب ليعرّفوا الناس بديننا، وحتى نحن أنفسنا كنا نقوم بكل عمليات الطهارة والستر، كنا نمارس ذلك باعتيادية تامة منذ الصغر، وجدنا كل من حولنا هكذا.. وما عرفنا الفرق إلا لما ذهبنا لديار غير إسلامية، وكان لا بد أن تحوي حقائبنا قارورة ماء للضرورة.
النظافة البدنية تحدث بشكل يومي، ونظافة القلب واللسان؛ لنخرجهما من دائرة اللغط وسوء العبارة إلى نظافتها.. فحش الكلام محرّم في ديننا، وفي الحياة والمجتمع. نظافة اللسان لدينا سلوك طبيعي.. غض البصر.. الستر ليس في الجسد والنفس فقط، ولكن أسلوب حياة.
نخشى الحرام؛ فأكل مال اليتيم حرام.. وسفك الدم حرام. النفس بالنفس، والجروح قصاص؛ لذا كان سهلاً على القضاة والمحامين العمل بسلاسة ويسر. لا ندعي الكمال، ولكن كانت هناك بوصلات حقيقية لنا. هناك من يشذ ويأكل الحرام والسحت أيضًا، والناس تعرفهم، والحكومات المفروض أن تطاردهم. حكومتنا تفعل ذلك، وتطاردهم عبر «نزاهة».
الأغلبية يتبعون الستر والشرف، ليس كلمة فقط، لكن بالمعروف والمتبع. الجار أخو جاره، يسانده، ويساعده لسبعة جيران. في ديننا لا ينام المؤمن شبعان وله جارٌ جائع.
عندما تكلم (ماكرون) تكلم آخرون عن ديننا وعن آدابه العامة والخاصة.. آداب الدين في الملبس والمطعم، وفي الحروب. ووصية أبي بكر الصديق، تلك الوصايا العشر التي وقف بها أبو بكر ليودع الجيش المسلم إلى سوريا: «لا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه. ستجدون رهبانًا يتعبدون في الصوامع، دعوهم، لا تؤذوهم. لا تقتلوا طفلاً ولا امرأة. لا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا لغير مأكلة».
ومحرم أيضًا تخريب دور العبادات، ومعاملة النساء معاملة غير لائقة، بل يستحق العقاب من اغتصب سيدة أو فتاة.
استمرت وصية أبي بكر يُعمل بها في كل الحروب الإسلامية. هذا الذي جاء بالوصية جاء على السنة، حتى ولو كانت من أناس غير مسلمين. وأضاف عليها سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «من رمى سلاحه حرم قتله».
تلك قبل أن تفكّر الدول بمعاهدات للحروب، ومنها معاهدات جنيف الأربع، التي أولها في عام 1864م حتى آخرها عام 1977؛ إذ دمجت كل الاتفاقيات مع بعضها؛ لتصبح معاهدات جنيف لحقوق المدنيين في الحروب، بينما وصايا سيدنا أبي بكر كانت في عام 633 ميلاديًّا، الذي يقابل العام الثاني عشر للهجرة.
هكذا نرى أي بَوْن زمني سبق به الإسلام البشرية لتنظيم الحروب، والاهتمام بالإنسان وحقوقه.. فكفلٌّ له حرية الدين، كما كفل له الرعاية، واهتم بالبيئة؛ إذ لا يجوع الإنسان ولا يعرى.
والآن لماذا أشكر هذا الرجل (ماكرون) الذي أشعل الفتيلة، وجعل الشرر، رغم أنه وضع فرنسا في موضع غير لائق بها، وهي عندما تبنت رسالة (حرية، مساوة، عدالة) تبنتها بطريقة أنانية جدًّا، خاصة مع المستعمرات التي كانت في إفريقيا وآسيا، ومن ثم بعد الحرب العالمية الثانية. لا يزال أهل فيتنام يتذكرون قلعة (ديان ديان فو) كيف لقنوا الفرنسيين رسالة، طردتهم من آسيا. جراحات الجزائر ومقابر الشهداء تملأ أرض الجزائر.. مليون ونصف المليون شهيد. كيف لو أن الجزائر أصرت وطالبت بتلك الأرواح والتعويض؟ البيئة التي سُحبت منها حتى آخر قطرة من كل خير فيها صنعت منها أجود أنواع النبيذ لتنال ربحًا وتجارة، فكيف تعوضهم عما فعلت؟
كلمة أخيرة قبل أن أختم: لماذا لا نشتم الأديان الأخرى، ونحن لا نعمل ذلك ترفعًا فقط لكن نعمله لأننا نؤمن بمن سبق من ديانات، ومحرم علينا الطعن أو الاستهزاء بأي ديانة؛ لأن ديننا يكملها، ولا يلغيها؛ لنرى آخر آيتين في سورة البقرة رقم (285، 286) {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
ولنا ولكم وللعالم أجمع السعادة والسلام.