فضل بن سعد البوعينين
برغم مساحة المملكة الشاسعة، إلا أن بعض الوزارات عجزت عن توفير أراض حكومية لتشييد مبانيها الخدمية عليها، وفي مقدمها وزارة التعليم التي اضطرت إلى شراء الأراضي من أجل بناء المدارس وضمان تقديم الخدمات التعليمية للمواطنين. وبعد إنشاء وزارة الإسكان، بهدف معالجة أزمة الإسكان الخانقة، وتنظيم القطاع، وتطويره، وجدت أن شُح الأراضي الحكومية من المعضلات الرئيسة التي لايمكن التعامل معها بسهولة، ما تسبب في تعطيل مشروعاتها التنموية لأسباب قسرية.
وأكثر من ذلك اضطرار الحكومة لنزع ملكيات خاصة بمبالغ باهظة؛ كانت ضمن أملاكها قبل أن تتدخل يد الفساد لنقل ملكيتها إلى مواطنين متنفذين بالشراكة مع جهات حكومية يفترض فيها النزاهة والعدل؛ من أجل تنفيذ مشروعات تنموية متنوعة.
عندما يصل الفساد قلة من العاملين في المؤسسة العدلية، تصبح عمليات الاستيلاء على الأراضي الحكومية أكثر سهولة. فلا يمكن شرعنة تلك السرقات الكبرى، التي يعلن عنها تباعا، وتوثيقها بمعزل عن بعض كُتاب العدل، أو بعض القضاة الذين يوثقون حجج الاستحكام، الباب الأوسع لفساد تملك الأراضي الذي نراه اليوم. فسرقة الأراضي الحكومية تحتاج دائما إلى ثلاثة أطراف مترابطة؛ الأمانة أو البلدية؛ وكاتب عدل أوقاض، ومواطن تسجل باسمه تلك الأراضي المنهوبة، ما يستوجب مواجهتهم جميعا لضمان تعزيز النزاهة ووقف تجاوزاتهم وإعادة الأراضي المنهوبة إلى أملاك الدولة، وهذا ما تقوم به هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، التي تجد الدعم التام من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ولا أبلغ من تقدير مجلس الوزراء الموقر للجهود المتميزة «المبذولة في ضبط كل من يتعدى على المال العام أو يستغل الوظيفة لتحقيق المصالح الشخصية أو الإضرار بالمصلحة العامة». رسالة واضحة تؤكد بمحاسبة من تورط أو سيتورط لاحقا بقضايا فساد مهما كان موقعه. لا حصانة لفاسد؛ هو شعار الحملة الوطنية لمكافحة الفساد وتجفيف مستنقعه الآسن، وتعزيز النزاهة لتكون ثقافة عامة يتشربها الجميع، بدأ من الأجيال الناشئة التي تمثل عماد المستقبل، مرورا بالموظفين والمسؤولين في القطاعين العام والخاص، وانتهاء بجميع مكونات المجتمع وقطاعات الاقتصاد.
فضح الفاسدين والإعلان عن قضايا الفساد، حتى في أكثر القطاعات الحكومية حصانة، من أدوات المكافحة القوية، لما ينتج عنها من رسائل تحذيرية، ومن أهمها استدامة سياسة الحزم السلماني الذي يتولى تنفيذه بكفاءة وعدالة سمو ولي العهد. يجب أن نعترف أن هناك جهات حكومية مسؤولة عن ضياع أملاك الدولة إما عن طريق حجج الاستحكام وسياسة الإحياء الصوري، أو عن طريق تطبيق المنح بخلاف طبيعتها ومساحتها وموقعها، أو الأراضي الزراعية التي جففت مخزون الدولة من الأراضي المهمة التي كان من المفترض أن تُحفظ للأجيال القادمة ولتمدد المدن والاحتياجات الإستراتيجية.
هناك مراجعة مستدامة ودقيقة للمنح وحجج الاستحكام والصكوك المستخرجة بطرق غير قانونية، نتج عنها استعادة مئات الكيلومترات، وآخرها استعادة 169 مليون متر مربع بإحدى المحافظات، وإيقاف قاضٍ ووكيل إمارة منطقة سابق وضابط سابق برتبة عميد ومحامٍ وثلاثة مواطنين لتورطهم في استخراج الصكين وحصولهم مقابل ذلك على جزء من الأرض؛ وما نرجوه أن تُسرع عمليات مراجعة وفحص سجلات الصكوك العدلية، وحجج الاستحكام، وأن يكون هناك مراجعة للأراضي الزراعية التي استحوذ عليها البعض بطريقة نظامية إلا أنها تفتقر العدالة والرؤية الإستراتيجية المستقبلية ما يستوجب مراجعتها وتحديد سقف أعلى للأمتار الممنوحة، واستعادة ما زاد عن ذلك بأثر رجعي، خاصة وأن جزءا مهما من تلك الأراضي الزراعية يتم استخدامها بأنشطة تجارية مخالفة لما خصصت له.