مها محمد الشريف
إن ما يميز وسائل الاتصال الجماهيري هو أنها لا توسطية وأحادية الاتجاه في أغلب الأحوال، فقد أثبتت وسائل الإعلام الجديدة أن لها دوراً محورياً بين المؤسسات والوكالات ومصادر المعلومات في مختلف أنحاء العالم، لذا، أدركت الأمم المتقدمة سحر الإعلام ومقتضيات المصلحة الخاصة، بحيث يتأرجح بين التنديد المطلق وبين القبول غير المعلن، وتستمر سلطته الضاغطة المؤثرة، وجزء من حملات المرشحين وليس إعلاماً محايداً بمعنى أنه يسهم باستقطاب الناخبين لمرشح دون الآخر، علما أن الدول تنفق الملايين لتحقيق سياساتها من خلال الإعلام وتوظيف الأهداف.
وتسير في اتجاه إنتاج لا محدود وإقناع الجماهير بشرعية خططها وبرامجها من خلال الإنجازات المادية والفكرية التي تحملها الجماعة، مع هذه الدوافع تحاول وسائل الإعلام جاهدة بمهام أقرب ما تكون كعمل الجيوش، وبذلك نكون قد وقفنا على أهم السجالات التي كان لها الدور في إعادة فهم وضعية العقل الغربي الذي تشكل على أساس مختلف لوظائف النشاط العقلاني على اعتبار بأن وسائل الإعلام ذات علاقة لغاية ما، حتى أصبحت الحروب الإعلامية تكلف أحياناً أكثر من الحروب التقليدية.
كما يتمثل في استطلاعات الرأي وأداة للتأثير في الناخبين، لتظهر تفوق مرشح على آخر على اعتبار أن مرشح ما سيخسر ويمرر هذا المفهوم للناس، وباتت هذه الاكتشافات منذ الانتخابات الأمريكية في 2016، التي أظهرت دعمها الخاص والموجه لهيلاري كلينتون، فعلى سبيل المثال وصفت «الجارديان» يوم فوز ترامب بأنه «يوم أسود على العالم»، ومثلها كبقية الصحف التي رفضت الإصغاء إلى العديد من أصوات الأمريكيين.
وكشفت دراسة أمريكية حديثة، أن نشرات الأخبار المسائية على بعض القنوات منحازة ضد الرئيس دونالد ترمب، ولمصلحة المرشح الديمقراطي جو بايدن، بمقدار 150 مرة، وحلل «مركز البحوث الإعلامية» البيانات التي أدلى بها المراسلون والمذيعون والمصادر غير الحزبية، مثل الخبراء أو الناخبين، التي تم بثها خلال نشرة الأخبار المسائية على القنوات التي أظهرت النتائج أن بايدن حصل على 8 تعليقات إيجابية و4 سلبية، فيما اتسمت تغطية أخبار ترمب بالسلبية بشكل كبير وإغراق المنصات الاجتماعية بإعلانات مناهضة له.
هنا يمكننا أن نرى شكلاً آخر لم يكن كافياً لتنظيم العلاقة بين الإعلام والمجتمع ووصل إلى مرحلة معقدة، وسلطته تجاوزت التنظيم السياسي المتمثل في وجود الدولة، حتى أن بعض المؤسسات الإعلامية الأمريكية الكبرى، لم تسمح لمراسليها بالسفر لتغطية فعاليات حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فهل السبب الخوف من خطر الإصابة بكوفيد - 19 أم هو الانحياز لبايدن؟، وهذا الأمر، دفع جمعية مراسلي البيت الأبيض إلى البحث عن صحفيين آخرين للوفاء بواجبات التجمع الصحافي في إدارة الرئيس.
إذا كان منظور العالم اليوم إعلاماً متطوراً فقد تجرد من المصداقية وثقة الناس، وانحرف عن مساره وجعل الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2020 كحرب استراتيجية نفسية، تستخدم فيها كل التقنيات السيكولوجية التي تستخدم في العمليات العسكرية، بهدف تشكيل الرأي العام، وأجهزه الإعلام تدفع به بعيداً عن مساره المعروف، وتأخذه إلى أدوات بالغة القدرة على التأثير في العقول، فهي تحول الإنسان من الفاعلية الواعية إلى تركيبة يحصرها في مجموعة من الحركات والمعلومات المكررة حتى يتقبلها وتنقل وقائع محيطه إلى إمكانيه تكوين رأى معين حول الأحداث وتكون الأهداف والمصالح التي يسعى لها مخالفة لتوجهاته.