م. خالد إبراهيم الحجي
إن بيئة الشرق الأوسط الجيوسياسية تعد هي الأكثر اضطراباً وخطورة في العالم منذ عقود، حيث يوجد في قلبها مثلث الشر متساوي الساقين، وهو مثلث جغرافي افتراضي يشمل إيران وتركيا وقطر، وعلى رأس المثلث تقع طهران عاصمة إيران؛ وعلى الرأسين الآخرين للمثلث تقع كل من الدوحة عاصمة قطر، وأنقرة عاصمة تركيا، وكل منهما تبعد مسافة متساوية قدرها 2000 كيلومتراً عن رأس المثلث الذي يجعله متساوي الساقين من الناحية الهندسية.. والشر الذي يخرج من هذا المثلث الجغرافي الافتراضي تشير إليه التحليلات السياسية التالية:
(1) إيران: تساعد الحوثيين عسكرياً وتزودهم بالصواريخ البالستية والمسيرات المفخخة التي يطلقونها على السعودية، وتهدف إيران من مساعدتهم إلى وضع أقدامها في اليمن للسيطرة على مضيق باب المندب.. وعلاقة إيران بالحوثيين وحماس يشبه علاقتها بحزب الله في لبنان، وكتائب حزب الله في العراق، وهي الجماعات الكبيرة التي تمارس عليها إيران مستويات كبيرة من السيطرة.. وعلى الرغم من أن طهران تقوم بحماية مصالحها في سوريا والعراق إلا أنها تفعل ذلك بتكلفة باهظة الثمن .. ودمشق اليوم هي شريك أضعف بكثير في محور المقاومة الإيراني عما كانت عليه قبل عام 2011م، إلا أن الحكومة الإيرانية ترى أن إبقاء جذوة الصراع في اليمن وسوريا والعراق مشتعلة ضروري لحماية النفوذ الإيراني في المنطقة، وجميع حالات الصراع في الشرق الأوسط تستنزف الجهد الإيراني، فضلاً عن وقوعها تحت وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بالإضافة إلى وطأة الاحتجاجات القوية في الداخل الإيراني على الإنفاق الخارجي، لذلك لا تملك إيران سوى مساحة محدودة للمناورة مع خصومها..
(2) تركيا: لم يعد لتركيا شركاء استراتيجيون في الشرق الأوسط أو حلفاء موثوق بهم بسبب «سياستها الخارجية المليئة بالمفاجآت» في سياق «بيئة الشرق الأوسط المضطربة». واهتمام تركيا الخاص ببلدان المجال العثماني السابق، والتي تعتقد أن لها علاقات تاريخية وثقافية معها، نابع من اعتقاد الرئيس أردوغان أنه يضطلع بدور الزعيم المسلم. ويقع على تركيا دور «الحامي» و»الأخ الأكبر» الذي يعاقب عند الضرورة، ويساعد الدول الإسلامية الضعيفة والجماعات السنية المتطرفة، على سبيل المثال: قام باحتواء جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ومنحهم الإقامة الدائمة في تركيا، ودعم الجماعات الإسلامية السنية الإرهابية في سوريا.. وزيارته إلى ليبيا في عام 2011م، وعلاقته بقائد المجلس الوطني الانتقالي، فعلًا توضح إرادته في أن يكون له حليف «زعيم مسلم» في منطقة الشرق الأوسط. ولم تكتفِ الحكومة التركية بتدهور علاقاتها ليس مع سوريا والعراق ومصر فحسب، وإنما أيضاً مع الدول الخليجية بسبب الإيحاءات والمضامين في خطابات الرئيس أردوغان «المولع بالخصام» التي تقلل من شأن الدول الخليجية، فأعطى وسائل الإعلام التركية الضوء الأخضر لمهاجمتها، وغض الطرف عن الدعاية التركية «البروبجندا» التي تبث رسائل التضليل والكذب عن الدول الخليجية؛ على الرغم من أن تركيا والسعودية معاً جنباً إلى جنب في مجموعة العشرين الاقتصادية، ويعلم الرئيس أردوغان، المكانة الدبلوماسية، والثقل السياسي للمملكة العربية السعودية التي تتمتع بهما على المستوى الإقليمي والدولي.. ومواقف المملكة السياسية الواقعية تؤكد كذب خصومه ومناوئيه في تشويه صورتها الناصعة.
(3) قطر: لا يخفى على أحد ملاءة قطر المالية الكبيرة التي تستخدمها لتمويل الإخوان المسلمين، وحركات المقاومة الشعبية، والجماعات المارقة المتطرفة، التي أصبحت تهدد الأمن الوطني للدول المجاورة لقطر، والدول الأخرى التي يوجد بها خلايا مقاومة شعبية نائمة، أو رموز متطرفة صامتة، يتحينون الوقت للظهور على السطح بفعالية أكثر.. والتسجيلات الصوتية للمكالمات الهاتفية، المتداولة في وسائل الإعلام المختلفة، بين القيادات القطرية وبين الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي تشير إلى الجهات الإرهابية الفاعلة، وتدل على دعم التحريض بالكلمة، والتخريب إلى القتل.. ولأن كلمة إرهاب محتقرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ لذلك تم إدراجها تحت تعريفات مختلفة لمعنى الإرهاب، ولكن دون التصريح بكلمة إرهاب نفسها، مثل الربيع العربي أو الجهاد التكفيري؛ أي بمعنى آخر تفريغ التعريف من كلمة إرهاب، وقد استفادت بعض الدول من تعريفات الإرهاب المثيرة للجدل، وعلى رأسها دولة قطر بتوظيفه في منصاتها الإعلامية المختلفة، وعلى رأسها قناة الجزيرة، لخدمة مثلث الشر متساوي الساقين.
الخلاصة
إن الاستراتيجيات والأهداف والمصالح للدول الثلاث تهدد الأمن الإقليمي للمملكة العربية السعودية .