د. مساعد بن سعيد آل بخات
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية بخبر اقتحام شاب عربي مسلم يحمل الجنسية التونسية لكنيسة نوتردام بنيس في دولة فرنسا، حيث قام بقتل ثلاثة أشخاص أحدهم امرأة عجوز تم نحر عنقها بسكين.
وللأسف تم ربط هذا العمل المشين بديانة الشاب ألا وهي (الإسلام)، ظناً منهم أنَّ الإسلام دين يدعو للتطرف والقتل مع أننا كمسلمين نستنكر مثل هذا العمل الإجرامي المتطرف ونرفضه تماماً لأنه ليس من ديننا الإسلامي، فالدين الإسلامي منه بريء، وهو عمل فردي يختص بصاحبه الذي ارتكبه، وليس من الحكمة أن يتم إطلاق الحكم على أكثر من مليار مسلم ومسلمة بأنهم متطرفون بسبب سلوك فردي متوحش!.
ومن الخطأ ربط التطرف بالدين فقط, لأن هناك تطرفاً مرتبطاً بالفِكر.
كما أنه من الخطأ أيضاً ربط التطرف بالدين الإسلامي على وجه التحديد, لوجود فِرق متطرفة تنتمي لليهود والمسيح والبوذية ..إلخ.
وللتوضيح..
يُعد التطرف والغلو مفهومين يحملان المعنى نفسه, فالتطرف هو مصطلح معاصر عند جميع دول العالم, ويُقصد بالتطرف: «منتهى الغلو في العقيدة أو المذهب أو الفكر أو غيره», أما الغلو فهو مصطلح شرعي عند جميع الدول الإسلامية, ويُقصد بالغلو: «مجاوزة الحد الشرعي أو العرفي المعتبر بإفراط أو تفريط».
وعندما نتأمل في حكم التطرف (الغلو) في القرآن الكريم والسنة النبوية, نجد بأنَّ الله سبحانه وتعالى قد حذر من الغلو كما في قوله تبارك وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}, وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الغلو أيضاً كما في حديث: (إياكم والغلو في الدين, فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).
كما أنَّ المتطرفين يصنفون إلى ثلاثِ فئاتٍ وهي:
الفئة الأولى/ متطرف مُنفِّذ (أداة)، مثل: هذا الشاب التونسي الذي قتل ثلاثة أشخاص في فرنسا بغير وجه حق.
الفئة الثانية/ متطرف مُتعاطف (مُتلقٍ للأفكار)، مثل: من يتأثر بالمخططين وينقل رسالتهم للغير من أجل التأثير بهم لتنفيذ المخططات الإجرامية.
الفئة الثالثة/ متطرف مُخطط (مُنظِّر)، مثل: ما يقوله القادة أو الرؤساء والمؤثرون في المجتمع كخطابات أردوغان وتغريدات مهاتير واللذين يريدان شحن الناس ضد شعب فرنسا بالقتل واستباحة دمائهم, ويتناسب مع هذا التحريض المشين باسم الإسلام ما يقول ابن رُشد: «تجارة الأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل, إذا أردت أن تتحكم بجاهل فعليك أن تغلّف كل باطل بغلاف ديني».
وتُعد أخطر فئة بين الثلاث فئات السابقة هي فئة (المُخطط), وأضعف فئة بين الثلاث فئات هي فئة (المُنفِّذ).
لماذا؟
لأن المتطرف (المُخطط) هو من يخطط للأعمال الإجرامية, ويُجنِّد لها بعض الشباب, ويكون مختبئاً في دولته أو منزله بدون أن يتعرض للضرر.
وعندما نبحث عن أسباب التطرف, فسنجد بأنها متفاوتة بين المتطرفين, إلا أنها في الغالب تكون أحد هذه الأسباب وهي كما يأتي:
أولاً/ الفهم الخاطئ لتعاليم الدين الإسلامي.
ثانياً/ التأويل الفاسد للنصوص الشرعية.
ثالثاً/ ضعف الثقة بالنفس، مما يسهل على الآخرين التحكم به لأنه ليس بصاحب قرار.
رابعاً/ الضغوطات المصاحبة لبعض المشكلات الاجتماعية مثل: تعاطي المخدرات, والطلاق ونحوهما.
خامساً/ اليأس من الحياة، فقد قيل: لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.
سابعاً/ سهولة تجنيد المتطرفين عن طريق برامج السوشل ميديا المتنوعة.
ثامناً/ سلبية بعض المؤثرين في أفراد المجتمع من مفكرين ومثقفين ومشاهير الفن أو السوشل ميديا..إلخ، تجاه المجتمعات والأديان الأخرى.
تاسعاً/ الجهل, لذا يُقال: الجاهل عدو نفسه.
عاشراً/ الفقر, وقد قال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته.
مع التأكيد بأنَّه ليس بالضرورة وجود جميع هذه الأسباب عند المتطرف, فربما تجد سبباً واحداً منها كفيلاً بانضمامه لجماعة متطرفة.
ختاماً:
جهد سنوات مما يفعله بعض المؤثرين في أفراد المجتمع من مفكرين ومثقفين ورؤساء ونحوهم من إظهار الصورة الحقيقية للإسلام أمام جميع دول العالم بأنه دين اعتدال وتسامح..إلخ, قد يأتي في المقابل شخص واحد ويفسد هذه الجهود في يوم واحد.