محمد سليمان العنقري
التداعيات التي خلفتها جائحة كورونا على الاقتصاد أُخذ لمواجهتها الإجراءات الملائمة لاستيعابها واحتوائها محليًّا وعالميًّا. وقد يشهد العالم قريبًا خلال الأشهر الثلاثة القادمة التوصل للقاحات فعالة، تحد من تفشي هذا الوباء؛ وهو ما سيعيد تدريجيًّا العالم للحياة الطبيعية.
ومع حزم التحفيز الضخمة، والإعداد لخطط استعادة النمو الاقتصادي التي تعمل عليها الحكومات، وخصوصًا في مجموعة العشرين، فإن الظروف ستكون مواتية لعودة النمو الاقتصادي بوتيرة متسارعة ممكنة جدًّا، لكن في المقابل لا بد لقطاع الأعمال أن يستعد للمرحلة القادمة؛ لأنها ستكون مختلفة في طبيعتها وممكناتها وأدواتها.. ففي المملكة اعتمدت حزم تحفيز بأكثر من 250 مليار ريال، كانت متنوعة؛ لتشمل حماية الاقتصاد الوطني، وأيضًا لتنعكس إيجابًا على المجتمع. وقد استفاد من هذه الحزم التحفيزية مئات الآلاف من الموظفين المواطنين بالقطاع الخاص، وكذلك عشرات الآلاف من المنشآت، وخصوصًا الصغيرة والمتوسطة، التي تضررت من تداعيات هذه الأزمة غير المسبوقة دوليًّا، لكن عندما ينتهي تفشي الوباء؛ ليتحول من جائحة لمرض كسائر الأمراض الأخرى، فإن بعض هذه المحفزات سيتوقف لانتفاء الحاجة له؛ وهو ما يعني أن قطاع الأعمال لا بد أن يستعد لتلك المرحلة التي يفترض أن يكون قد قرأها وحدد خياراته للتكيف معها.. فالبقاء سيكون لمن خطط واستعد بالقدر الكافي؛ ليعود للاعتماد على نفسه، ويكون قد استفاد من الدروس التي استخلصها من هذه الأزمة، وعرف مكامن الضعف بالبيئة الداخلية للمنشأة، وكذلك وصل للتقدير المناسب لما يجب التوجه له مستقبلاً. فتحمُّل نسبة من رواتب الموظفين المواطنين العاملين بالمنشآت التي تأثرت بهذه الأزمة عبر برنامج ساند سيتوقف، ولا بد من أن تعود المنشآت لتحمُّل مسؤولياتها من جديد بخلاف توقف أي حِزم تحفيز أخرى، كتأخير سداد رسوم حكومية، وإعفاءات من الغرامات، وغيرها التي اتُّخذت بقصد تعزيز الموقف المالي لقطاع الأعمال. وفي هذه الحالة فإن من لم يستعد لتلك المرحلة غالبًا سيواجه إشكاليات عديدة، قد تُخرج بعضهم من السوق تمامًا. ومن لم يبدأ بدراسة الواقع القادم، ووضع تصورات الحلول الأنسب لمستقبله، سيفاجَأ بالتغيرات التي ستحدث داخل منشأته دون أن يستطيع الوصول لحلول تعينه على العودة للنشاط دون أعباء مرهقة؛ لذلك فإن القرارات العملية والواقعية المبنية على الدراسة الدقيقة للمستقبل ستكون هي الداعم الأكبر للاستمرار بالسوق. ولعل من بين هذه التوجهات التي تتطلب قرارات جريئة التوجُّه للاندماجات لتكوين كيانات قادرة على العيش في المرحلة القادمة بما يكفل لها النمو والاستمرارية. كما أن النظر للتغييرات بطرق الإدارة والتشغيل التي ظهرت مع هذه الجائحة لنبقى مجرد مرحلة استثنائية، بل سيكون جزءًا أصيلاً من طرق الإدارة والتشغيل؛ وهو ما يعني التحوُّل لهذه الطرق وتأصيلها في عمل المنشأة. هذا بخلاف استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمواكبة العصر الجديد الذي بات يسمى عصر ما بعد كورونا.
قطاع الأعمال مطالب بالاستعداد للمرحلة القادمة، والاستفادة من إيجابياتها، وتقليل الآثار السلبية التي فرضتها الجائحة من خلال مواكبة العصر الجديد، والتغيير الملائم بالعمل الإداري والتشغيلي. ويتطلب ذلك أن تشاركهم الجهات الرسمية المعنية هذا التغيّر. فمثلاً: لا يمكن أن يبقى أسلوب التفتيش من قِبل وزارة الموارد البشرية على المنشآت بالأسلوب الحالي ذاته، وإثبات وجود كل موظف في موقع العمل في الوقت الذي أصبح العمل فيه عن بعد ركيزة أساسية في إدارة الأعمال، وذلك على سبيل المثال؛ وهو ما يعني أن النظرة لما سيتغير بإدارة الأعمال لا بد أن تشمل قطاع الأعمال، وكل تنظيم أو إجراء رسمي أصبح من الضروري تعديله؛ ليشمل متغيرات المرحلة القادمة.