في حقبة الثمانينيات الهجرية، الستينيات الميلادية، ظهرت في أحياء بريدة مجموعات من بدو الشام وفلسطين يسمون النَورَ (بفتح النون والواو) أو الغجر، هم ونساؤهم وأطفالهم، والنَوَر ذوو بشرة بيضاء وعيون عسلية أو زرقاء، يمتهن رجالهم إصلاح مواقد الكيروسين التي يسميها العامة (الدوافير) وإصلاح فوانيس الإضاءة المسماة (الأتاريك) كما تمتهن نساؤهم خلع وتركيب الأسنان وتلبيسها بالذهب خاصة النواجذ منها، كما كن يقمن ببيع أصناف مختارة من العطارة العربية والكحل.
وكانوا يقومون بالطواف على البيوت مشياً على الأقدام صباحاً وعصراً، يلبس رجالهم الثياب العربية الشامية، أما نساؤهم فقد كنْ يلبسنْ العباءات السوداء والبراقع، ويضعن الوشم على ظاهر أكفهن وعلى أذقانهن وكن يعلقن قلائد من الفضة والنحاس على أجيادهن، كما لا تخلو أذرعهن من الأساور الفضية أو النحاسية.
قال طرفة بن العبد مفتتحاً معلقته:
لخولةِ أطلالٌ ببرقةِ ثهمدِ
تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
كان النور يرفعون أصواتهم وهم يجوبون الشوارع والأزقة مردّدين: (دوافير، أتاريك. يامصَّلح).
كما كان بعضهم يطرق أبواب المنازل طلباً للطعام والشراب.
الجدير بالذكر أن الطهي على مواقد الكيروسين كان شائعاً في تلك الحقبة من الزمن، كما كانت الإضاءة بالفوانيس والأتاريك لا تستغربُ في تلك الأيام.
أما تلبيس الأسنان بالذهب فقد كان مظهراً من مظاهر التمدن والثراء لدى الرجال والنساء على حد سواء، كما أن كثيراً من النساء كن يزّين أنوفهن بشذراتٍ من الذهب تسمى الواحدة منها (زِمام) بعد أن يخرمن الجانب الأيمن أو الأيسر من الأنف بإبرة الخياطة.
ويحمل (النورُي) فوق رأسه أو بين يديه صندوقاً من الخشب فيه (عدة الشغل) وتحمل النورية على ظهرها حقيبة من الجلد أو القماش فيها (عدةَ الشغل) أيضاً.
يسكنُ النَور هم ونساؤهم وأطفالهم في خيام نصوبها على تخوم المدينة.
وفي حقبة التسعينيات الهجرية، السبعينيات الميلادية انقطع النَور فلم يعد لهم أثر، وكانت البلاد على موعد مع نهضةٍ اجتماعيةٍ وعمرانيةٍ عارمة عمتّ السهل والجبل.
** **
القصيم - بريدة