في كلمة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء، في بدء أعمال الاجتماع الأول لـ»قادة اقتصاد الفضاء 20» ضمن برنامج المؤتمرات الدولية المقام بالتزامن مع رئاسة المملكة العربية السعودية مجموعة العشرين قبل أيام قليلة، استوقفني كثيراً كلامه حول مستقبل قطاع الفضاء في زمن صار فيه العالم كله أشبه بالراغب في تسخير إمكانيات الفضاء لخدمة الإنسانية، باتت فيه كل الأخبار واردة، والسباق في هذا القطاع بلا حدود.
تلامستْ كلمة الأمير سلطان بن سلمان مع الواقع والتحديات التي يمر بها الفضاء، إذ تحدث عن المسؤولية العامة، وعن إستراتيجية هذا الوطن الكبير (المملكة العربية السعودية) في تشكيل الوعي، والركائز الرئيسية التي وضعتها قيادة هذا الوطن الرشيدة للاستثمار في المستقبل، وتوفير ظروف الاستعداد له، وابتكار وتطوير طرق التعامل مع التحديات وجعلها فرصاً.
طاف رؤساء وكالات الفضاء في دول مجموعة العشرين مع الأمير سلطان بن سلمان حول الفضاء؛ وبدا واضحاً أن رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء لديه آمال عريضة في تنفيذ رؤية القيادة الرشيدة بالمملكة العربية السعودية لمواكبة الطموح وتعزيز سمعة الوطن.
يتزامن مع هذه الطموحات العريضة خطوات على أرض الواقع منها الإعلان القريب للإستراتيجية الوطنية للفضاء التي تتضمن مشاريع طموحة وواقعية، تليق بمكانة المملكة، وتؤكد التزامها بالاستثمار في هذا القطاع الاقتصادي المهم، الأمر الذي يؤكد ويرسخ مكانة الاهتمام السعودي بالفضاء، ودوره على المستوى الإقليمي والعالمي، هذه الطموحات والاهتمامات تلقي مزيداً من مسؤولياتها على كاهل العاملين والمسؤولين عن الفضاء في المملكة، وهذا ما أكَّده سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز بأن فكرة هذا الاجتماع كان من المملكة، إذ قال: «نلفت إلى أن المملكة، من خلال رئاستها مجموعة العشرين، تركز على الهدف العام «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع»، المتضمن ثلاثة محاور رئيسة: تمكين الإنسان، والحفاظ على كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة»، ثم واصل مؤكداً: «وذلك ما جعل المملكة ضمن سنة رئاستها المجموعة تبادر بتقديم فكرة هذا الاجتماع على هامش أعمال اجتماعات مجموعة العشرين للمرة الأولى، بما يسهم في تقييم هذا المجال المهم، والسعي لاعتماده في مجموعة عمل رئيسة في الدورات التالية بالتنسيق مع دول الرئاسة في السنوات القادمة، بما يمكّن قطاع الفضاء واقتصادياته المتنامية من خدمة أهداف المجموعة، ومساندة النماء في دول العالم».
اللافت أيضاً في هذه الكلمة أنه تناول القضايا الملحة الآنية في الوقت نفسه التي تدور في مسار هذه الصناعة والتوجه الجديد والمهمومين بمستقبل الإنسانية، وجاء الكلام في محيطها بكل وضوح وكشف حقيقة المستقبل الذي لن يسير في اتجاهه غير الذي يحملون أدواته والجاهزين لتطبيقها.
من يقرأ ما بين سطور الكلمة الناصعة يستوقفه إيمان عميق من قبل رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للفضاء بهذا السلاح القوي، سلاح الفضاء وتأثيره، إذ يعتبره الأمير سلطان بن سلمان، الاقتصاد والأمن والمستقبل.
التنقل بين كلمته من حروف وألفاظ وكلمات وإيحاءات يقودنا إلى قواسم مشتركة ومتجددة من التخطيط الممنهج، الذي يؤكد أن هناك رؤية يُرغب في تحقيقها للنهوض بطموحات دول العشرين من الاهتمام إلى الاهتمام الأكثر وأكثر، وعلى مستوى الجميع من دون استثناء، ليس فقط على مستوى إطلاق الأقمار الصناعية، بل وصولاً إلى توظيف تقنيات الفضاء لتطوير قطاع الطيران المدني، والاهتمام بالأجهزة والمعدات الفضائية، وتوفير المنتجات والخدمات الفضائية للمستخدمين النهائيين، وتشجيع البحث العلمي، وذلك انطلاقاً من نظرية «النجاح مهم، لكن الأهم هو كيفية استمرار النجاح».
واصلت تجولي بين سطور كلمة سموه أبحث عن سؤال حول الرؤية الطموحة والرسالة الواضحة لهذا الوطن عبر الرؤية السعودية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلك الرؤية المطروحة عالمياً. بالقطع لم يفت سمو الأمير سلطان بن سلمان أن يضع هذا الملف أمام رؤساء وكالات الفضاء في دول مجموعة العشرين، والذي جاءت إجابته واقعية، إذ قال: «ننطلق برؤية طموحة، ورسالة واضحة، منبثقة من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، الذي ليس بعيدًا عن قطاع الفضاء؛ فقد كان قريبًا من المهمة الأولى التي شارك فيها فريق علمي سعودي، فاق عددهم 30 عالمًا ورائد فضاء، في رحلة الفضاء الأولى للعرب والمسلمين عام 1985. وتختزن ذاكرة العرب والمسلمين والسعوديين الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- وشاركه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بالمركبة. ولا يزال خادم الحرمين الشريفين مهتمًّا بمجال الفضاء، ودافعًا لمواكبة المملكة للتطور في قطاع الفضاء. كما عاصر -حفظه الله- مراحل التنمية الكبيرة في السعودية عبر العقود الماضية، ويقود -رعاه الله- اليوم التقدم الذي نعيشه في مجالات عدة».
اليوم، لم يعد الفضاء «مهملاً»، ومن «يهمله» لن يحقق قيماً مضافة وآفاقاً جديدة، ففي ظل الاستثمار في البشر والعلم والتقدم في العلوم، أصبح تطوير العمل في قطاع الفضاء واجباً، لذلك على الدول العشرين أن تنسق جهودها في الاستخدام السلمي للفضاء، وأن تدعم الجهود القائمة والمستقبلية في ضوء رؤية مشتركة للنهوض بمستوى الاستثمار العلمي والاقتصادي لقطاع الفضاء، ورفع تنافسيته، واستدامة أنشطته.
من هنا نستطيع القول بأن الرسائل التي تضمنتها كلمة الأمير سلطان بن سلمان، إنما هي جرس إنذار لمن يريد أن يعمل للإنسانية جمعاء، ويواكب الفرصة في الاقتصاد والأمن والمستقبل.