محمد آل الشيخ
يزعم الرسميون الفرنسيون أن من يقف ضد فرنسا جرَّاء الإساءة للرموز الدينية، كالرسومات التي نشرتها مجلة شارلي إبيدو المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - هم فقط الإسلامويون المسيسون، المنتمون للإسلام السياسي وليس كل المسلمين. وهذا إطلاقاً غير صحيح، فهي أغضبت (كل المسلمين) وليس تلك الفئة المتطرفة، لأن الرسول بالنسبة لمعتنقي دين الإسلام هو أهم الرموز الدينية الإسلامية على الإطلاق، الذي تتشكل حوله، وبناء على تعاليمه الديانة الإسلامية.
فأنا ككاتب - مثلاً - من أشد مناوئي الإسلام السياسي بقوة، وأعتبر أنه أهم الأسباب التي أفرزت الإرهاب. كما أعتبر جازماً أن النبي الكريم هو أول خصوم معتنقي الإسلام السياسي، لأن الإسلام هو أولاً دين حسب نص الآية القرآنية (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، ولم يقل سياسة دنيوية، وهم - أي الفرنسيون - عندما يحصرون القضية بالإسلامويين دون بقية المسلمين، فإنهم (يتَّهمون) المسلمين ضمناً بأنهم لا يكترثون بنبيهم، وضرورة تقديسه، وعدم المساس به. لذلك فإننا من حيث المبدأ نأبى وبقوة أن نصنف بهذا التصنيف، وهذا التصنيف الخاطئ والمغرض يتماهى مع ما يردده الإسلامويون، وفحواه أنهم - أي الإسلامويون - هم فقط المسلمون، وما عداهم ليسوا بمسلمين أسوياء.
النقطة الثانية أن الرد بالقول إن هذه قيم الحرية في الجمهورية الفرنسية، ويجب على الفرنسيين المسلمين قبولها، قول لا يمكن قبوله، لأن فرنسا جزء من أوروبا، والمحكمة الأوربية حكمت في قضية مماثلة بأن المساس بالرموز الدينية الإسلامية والاستهزاء بها لا يدخل ضمن مفهوم الحريات التي تصونها دساتير الدول الأوروبية؛ وهذا القانون ينسف هذا القول من أساسه؛ كما أن المحرقة اليهودية التي قام بها النازيون في ألمانيا (الهوليكوست) لا يجيز القانون الفرنسي التشكيك بها فضلاً عن نفيها، مراعاة لمشاعر اليهود الذين تم حرقهم في تلك المحرقة الإجرامية، أفليس من حق الفرنسيين المسلمين أن يطالبوا بسن قوانين مماثلة، تجرِّم المساس برموز المسلمين الدينية على غرار قضية الهوليكوست؟
وهذا لا يعني البتة أننا لا ندين بكل قوة الجريمة الشنيعة النكراء التي أقدم عليها الإرهابي الشيشاني عندما قتل المدرس الفرنسي؛ اعتراضاً على استشهاده أمام طلابه بهذه الرسوم كمثال لما تعنيه الحرية، ولكن يجب عدم الخلط بين هذه الجريمة، وبين هذه القضية التي يجب أن تكون محل اعتراض وتنديد بالوسائل السلمية؛ وهنا يجب الإشارة إلى أننا نحن المسلمون في بلداننا المسلمة نعاني أشد المعاناة من هؤلاء الأوغاد القتلة ممن سيَّسوا دين الإسلام، فهم أقرب ما يكونون إلى الوحوش المفترسة، والشواهد التاريخية تثبت أننا عانينا منهم ومن جرائمهم ومن توحشهم أشد وأقسى المعاناة. غير أنكم عندما (تحصرون) من يعترضون على الإساءة لنبينا في هذه الفئة المريضة المهووسة المجرمة، فأنتم كمن يتهمنا نحن المسلمين المعتدلين بالتقصير في الذود عنه، ورفض الإساءة إليه.. وهذا بالمناسبة ما يعيِّروننا به صباح مساء وهم كاذبون.
إن هدفنا كما هي أهداف العالم المتحضر أن نجتث كل مسببات ودوافع ثقافة الكراهية والبغضاء بين الأمم، وأن نبني عالماً تسود فيه قيم الإخاء والتعايش ومبادئ الاحترام المتبادل، خاصة أن بين ظهرانيكم يعيش نحو ثمانية ملايين مسلم، وهذه الممارسات ستؤدي بالضرورة إلى إشعال فتن وقلاقل في بلادكم، وربما تمتد ألسنة نيرانها إلينا أيضاً، فضلاً عن أنها ستزلزل الأمن والاستقرار في كل أصقاع الأرض، وليس في بلادكم فقط. فلا أعتقد أنكم قد تضحون بالأمن والاستقرار لكي تفوزوا بالحرية العبثية.
إلى اللقاء