فضل بن سعد البوعينين
أكملُ من حيث انتهيت في مقالة الأسبوع الماضي «الذكاء الاصطناعي واقتصاد المعرفة»، وأشدد على أن النقلة النوعية التي شهدتها المملكة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات كانت نتاج رؤية طموحة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، استشرف فيها المستقبل، وأهمية الثورة الصناعية الرابعة، ومتطلبات التحوّل الاقتصادي الذي بات أكثر ارتباطًا بالرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والاتصالات السريعة، وكل ما له علاقة بالتكنولوجيا الحديثة التي باتت من أساسيات التنمية المستدامة، إضافة إلى الجهود المتميزة التي تقوم بها وزارة الاتصالات، والهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات كجهات تشريعية وتنظيمية معنية باستكمال ممكنات أهداف الرؤية الاستراتيجية.
نجحت المملكة في تحقيق قفزات نوعية على مستوى البنية الرقمية العالمية، من أهمها حصولها على المركز الأول عالميًّا في سرعة الإنترنت المتنقل للجيل الخامس، والمرتبة الأولى في الريادة الحكومية، والسابعة في سرعات الإنترنت، والثالثة بين مجموعة العشرين، إضافة إلى تقدُّمها 16 مركزًا في تقرير التنافسية العالمية، واعتبارها ضمن أسرع عشر دول نموًّا في التجارة الإلكترونية، وحصولها على المركز السابع عالميًّا في معدل نمو الشركات الابتكارية، والمرتبة الـ13 عالميًّا في تنمية المهارات الرقمية للقوى العاملة.
ما تشهده المملكة من نمو في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات هو نتاج عمل استراتيجي مكثف، تم إنجازه خلال فترة زمنية قصيرة، لا تتجاوز ثلاث سنوات. وأحسب أنها مرحلة مهمة من مراحل البناء، ستعقبها مراحل أكثر أهمية وتخصصًا، بما يقود نحو بناء اقتصاد رقمي متكامل.
يعتقد محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الدكتور محمد التميمي أن البنية التحتية الرقمية هي قاعدة التحول الوطني؛ لارتباطها الوثيق بغالبية الأهداف المستقبلية.
وهذا واقع حقيقي؛ فما حدث من تحوّل مهم للمؤسسة العدلية والتعليم - على سبيل المثال لا الحصر - لم يكن ليحدث لولا وجود البنية التحتية الرقمية القادرة على دعم برامج التطوير المهمة التي أسهمت في تحقيق نقلة نوعية للخدمات المقدمة. الأمر عينه ينطبق على جميع الوزارات الأخرى دون استثناء. قدمت جائحة كورونا أفضل اختبار جهد للقطاع، الذي أثبت كفاءة وسعة استثنائية ونجاحًا لبرامج التطوير المنفّذة ومشاريع التحول الرقمي.
الأكيد أن تنظيم القطاع وحوكمته وفصل الصلاحيات أسهم بشكل مباشر في تعزيزه وتنميته، وتحقيق النتائج الإيجابية. فالفصل بين الوزارة كجهة تشريعية ومظلة شاملة للقطاع، وهيئة الاتصالات كجهة منظمة ورقابية، وقطاع الشركات مزوِّدة الخدمة، نظَّم القطاع، ورفع من تنافسيته وجاذبيته للمستثمرين، وأسهم في تعزيز التدفقات الاستثمارية وتنوّع الشركات وخدماتها، وتحقيق الجودة، والتطوير السريع. وهذا ما يؤكده الدكتور محمد التميمي في لقائه المثمر بكتّاب الرأي في ديوانية الجمعية السعودية لكتّاب الرأي، الذي شدد على أهمية حماية المستهلك، وتحقيق عدالة المنافسة، وتحفيز الاستثمارات النوعية، التي تعتبر من ممكّنات التحول الرقمي المنشود.
الاقتصاد الرقمي من أهداف المملكة الرئيسة، ومن متطلباته استكمال البنية التحتية الرقمية، ورفع جودتها وقدرتها الاستيعابية للاحتياجات المستقبلية المتنامية، والتركيز على التعليم والتدريب الرقمي، وخلق التشريعات المتوافقة مع الواقع الافتراضي الجديد، وهو ما تسعى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لتحقيقه بالشراكة مع الوزارة والجهات الحكومية الأخرى.