رجاء العتيبي
لا نتخيل مطلقاً لا في الأحلام ولا في اليقظة أن ينتهي عمقنا الثقافي، أن يعلن وفاة كيان عمره 47 سنة، أن يُتجاهل تاريخ من العمل الثقافي، أن يُدمر منجزٌ بدأه: فيصل بن فهد، وبدر بن عبد المحسن، وطارق عبد الحكيم، وعمر العبيدي، وعبد الحليم رضوي، ومحمد السليم، وعبد العزيز الحماد، وحمزة بشير، وسراج عمر، ومحمد الشدي، وعبد الله الجارالله ... وأسماء أخرى لا يتسع المجال لذكرها.
هذا التاريخ العظيم في مجال الفنون: مسرح، موسيقى، فنون شعبية، تشكيل، أدب، لم يكن ليكون لولا هؤلاء الرواد الذي كان لهم دور كبير في حراك الفنون في السعودية، رغم كل الظروف التي مرت بهم، لم يبالوا بها واستمروا في طريقهم، حتى أنهكتهم صروف الدهر، منهم من توفاه الله، ومنهم من بلغ به العمر مبلغه، ومنهم تقاعد وآثر الابتعاد.
وَقفتْ الجمعياتُ شامخة لم تهتز ولم تتمايل ولم تلن، تَسَلَّمَ الرايةَ خَلَفٌ أتموا الأمانة عملوا بكل ما يملكون من طاقة حتى يومنا هذا، وبدلاً من أن يُعاد تجديد (عمقنا الثقافي والفني) وتاريخنا المثبت بوثائق رسمية، وليست شفاهة. نتفاجأ بالسعي إلى إلغاء الجمعيات، أمر يُتداولُ في الأروقة، التقرير تلو التقرير بأن الجمعيات انتهى زمنها، والتقرير لا يعلم أنه ينهي قطعة من قلب الوطن، ولا نتوقّع أن هذا التقرير الذي يعشش بين أوراقه مفاهيم الهدم أن يطور عملاً يتولاه.
يدور في الوسط الثقافي إنهاء هذا الكيان من الوجود تماماً، وتحويله إلى مراكز ثقافية، ولو تم ذلك فهذا يعني إنهاء عمق وطني نفاخر به الأمم، وبدلاً من ذلك نشير إلى مراكز عمرها بضعة أشهر في حال تأسست هذا العام أو الذي يليه، يا لَجُرأة هذا الرأي، يا لهذا التقرير الذي (يهدم) أكثر مما (يبني)، أي عقلٍ هو؟ وأي تفكير هذا؟
الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون (علامة ثقافية) و(شعار أصيل) اسم من ذهب لا يسترد ولا يستبدل ولا يتحول ولا يتغير ولا يباع ولا يهدم ولا يموت حتى يرث الله الأرض ومن عليها، هكذا هو موقفنا من الكيانات التاريخية، وهذا هو موقف الدولة من تراثها، تجديد وتطوير ودعم واستثمار.
إن أقسى موقف يمكن أن تمر به جمعيات الثقافة والفنون أن تترك تواجه مصيرها، أن تكرر يومها فاليوم مثل غدٍ مثل بعد غدٍ، حتى تقع فريسة للروتين، حتى يألف الناس ضعفها فتموت، فلا يبكي عليها أحد لأنها ماتت بالتدريج.
هل هناك تقرير يجرؤ أن يعلن وفاة عمقه الثقافي في وسائل الإعلام؟ لا أظن. لأنها ستكتب في صفحته ( قوّض جمعيات الثقافة والفنون).