د. حسن بن فهد الهويمل
بدأ الاتصال المؤثر بالغرب منذ (حملة نابليون) وهي حملة فرنسية, مدروسة بدقة, وتمثل الاستعمار الثقافي, وهو الأخطر على الشعوب المستضعفة.
عُرف على ضوء ذلك مصطلح (الاستعمار) بشقَّيْه:- الاقتصادي, والثقافي. وبطرائقه المتعددة, وأشكاله المتنوعة. وهو مصطلح إسلامي، لا يحمل وضر المصطلح الغربي؛ فالله استعمرنا في الأرض. والاستعمار بمفهومه الغربي أنواع:-
- استعمار الثكنات, والمناديب.
- استعمار الثقافة, واللغة, والأزياء.
العالم العربي لم يأخذ حذره, ولم يعرف صغائر المحدثات, والمهدئات, ومن ثم أتاه الاستعمار كما الشيطان:- {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}. فلم يثبت على الحق إلا القليل؛ الأكثرون حققوا مقولة (ابن خلدون) في تقليد الغالب.
الحدث الجلل, وحديث الساعة المتمثل بسب الرسول - صلى الله عليه وسلم -, وإثارة مشاعر المسلمين, واستفزازهم. ورغم فداحته فإنه لم يكن جديداً, وسيبقى ما بقي الصراع بين الحق والباطل.
لقد واكب الاستهزاء, واتهام الرسول منذ البعثة النبوية, ولم تُترك مذمة إلا ألْصِقت برسول الرحمة.
على الرغم من أن خصومه يعلمون علم اليقين أنه على خُلق عظيم, وأنه كما وصفته (عائشة) - رضي الله عنها -, وهي أقرب الناس إليه: (كان خُلقه القرآن).
بل خصومه يعرفون صدقه, وخلقه, وأمانته, ولكنهم فوجئوا بهذه الرسالة فاضطربوا, وما تركوا خصلة ذم إلا ألصقوها به.
لقد صبر, واحتمل الأذى, لِيبلِّغ ما أُوحي إليه. وكم ردد هذا الدعاء:- (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). ودعك من الاختلاف حول صحة نسبة هذا الدعاء إليه؛ فلسان حال الرسول كلسان المقال, لقد أوذي: قولاً, وعملاً.
لم يكن - بأبي هو وأمي - فاحشاً, ولا متفحشاً, ولا صَخَّاباً في الأسواق, ولا يجزي بالسيئة الحسنة, ولكن يعفو, ويصفح.
ذلك بعض وصف (عائشة أم المؤمنين) لزوجها, وهو حديث صحيح عند الترمذي, وأحمد.
هكذا كان الرسول, وهكذا تكون أمته؛ لأنه أسوة حسنة:- {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
ما أود الإشارة إليه حول حماقات (فرنسا) ورئيسها, ووزير داخليتها.
فرنسا تتمثل الاستعمار (الثقافي اللغوي)، وعدوها اللدود (محمد وأتباعه)؛ إذ لا يمكن تحقيق رغباتها الشيطانية وفي الأرض دين إسلامي, وسيرة نبي يتخذه المسلمون أسوة.
ومن هنا بدأت حملة التشويه تحت ذريعة حرية التعبير, وحرية الأديان.
ميزة الإسلام أنه يؤمن بالرسل كلهم, ويحترم الرسل كلهم, ولا يفرّق بين أحد من رسله:- {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
هذه العقيدة حملت شياطين الإنس على البحث عن أقنعة الحرية المطلقة.
الرئيس الفرسي هو الخاسر الوحيد, والشعب الفرنسي عاجلاً أو آجلاً سيضعه في مزبلة التاريخ؛ لأنه سيجر الويل, والثبور, وعظائم الأمور على الشعب الفرنسي, واقتصاده.
وحتى لو تخاذل زعماء العالم الإسلامي, أو ترددوا في القيام بواجبهم، فإن الاحتقان الإسلامي ستكون له آثاره السَّيِّئة على السياسة, والاقتصاد على فرنسا.
من كمال الإيمان أن يكون الرسول أحب إليك من نفسك, وأهلك.. بل لا إيمان لمن لا يحب. والحب يقتضي الغيرة, والأنفة, والتصدي.
فكل متجاوز على الرسول بسب, أو شتم, أو تنقص, أو رسم مشين يعدُّ من التعدي على مشاعر المسلمين.
لا غرابة في الإساءة, الغرابة في المواقف السلبية, بل الأسوأ تبرير هذه الإساءات باعتبارها ردة فعل من الغرب على ممارسة العنف من سفهاء الأمة الإسلامية.
فئام من المتبلدين من يشغله العنف, والتطرف, وما هو في النهاية إلا صناعة غربية.
مثل هذه الإثارات كفيلة بتحريض المتطرفين على ممارسة التطرف. المتبلدون يرون ما تفعله فرنسا ردة فعل مشروع. وتلك مصيبة المصائب.
من المتوقع أن تهب أوروبا كلها في شرعنة الإيذاء, وتداوله, لتخفيف الضغط على فرنسا, وتشتيت الجهود الإسلامية, وإثارة الغوغاء, لعمل إرهابي يشرعن الفعل الفرنسي.
في النهاية:-{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين}. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}. {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}. {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
المنهزمون نفسيًّا يفرون من الزحف, ويستبعدون النصر, وينكرون الغزو, والتآمر, واللعب القذرة؛ مما جعل أمتنا تعيش الغثائية.
معركة الأمة الإسلامية مع الغرب مستمرة, ومتعددة الجبهات, ومتنوعة الأشكال, وغير متكافئة. إنها معركة بين الحق, والباطل:- {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
ممارسة فرنسا بذاءاتها جزءٌ من اللعب المتناسلة, وواجب العالم الإسلامي التعامل الحضاري, وإبراز الإسلام سلوكًا, ومنهج حياة, وهو كفيل بأن يحطم القوارب, ويمزق الأشرعة, ويكسر المجاديف.