عبدالعزيز السماري
هناك من يحاول نفي ارتباط العنف ببعض مراحل الدعوة الإسلامية خلال هذه العصر، بينما التاريخ حافل بهذا المفهوم، فالدولة الإسلامية كانت تتغير من حال إلى حال من خلال الدعوة بالتغيير بالعنف، وقد تحدث عنها ابن خلدون في نظريته التاريخية التي أطلق عليها الدورة العصبية، والتي تقوم على العصبة والبعد الديني، ولم يكن للسلم مجال في الانتقال إلا في بدايات التاريخ الإسلامي، ولكن بعد الفتنة، لم تتوقف نظرية التغيير إلا من خلال البعد الدموي.
كان التكفير حاضراً في الأدبيات الإسلامية منذ فتنة الخوارج، والتي أدخلت التكفير كوسيلة لرفع السيوف والخروج على الدولة، وتجييش الأتباع للخروج والعمل على التغيير بالعنف، ولا نحتاج إلى دراسات، فالظاهرة أوضح من أن تحتاج إلى تفكير عميق، وقد تكون من المتعارف عليه في ثقافات الشعوب في تلك الفترة الزمنية، لكن عادت إلى هذا العصر، ولا بد من فهم جذورها.
الإرهاب المعاصر جاء بعد أن شاعت فكرة تكفير المجتمعات وأسهم في ذلك شيوع مصطلح جاهلية القرن العشرين، ومحاولة إرجاع المجتمع المسلم إلى بدايات المرحلة المكية حيث الدعوة السرية، وتم القياس على ذلك بمرحلة السبعينات الميلادية، وبعد مرحلة الجهاد الأفغاني بدأت مرحلة المجاهرة بقتال الكفار وطالت مختلف المجتمعات الإسلامية من الرياض إلى إندونيسيا، وإذا أردنا تجاوزها فلا بد من مراجعة الأفكار التي قامت عليها، ومعالجتها جذرياً..
كان شعار مرحلة التكفير الحكم بغير ما أنزل الله، وكان أول من أطلقها المودودي، وأثارها سيد قطب في كتابه معالم في الطريق، وصار لهما أتباع يؤمنون أن الحكومات العربية كافرة، ويجب قتالها، والعمل على قيام دولة الخلافة الإسلامية، وهي أيضاً بدعة، فأبوبكر كان خليفة رسول الله، ولم يكن سلطان الله في الأرض، وهو مصطلح مسيحي مستورد، والدليل أن عمر بن الخطاب اختار لقب أمير المؤمنين..
لذلك يجب التروي في إطلاق أحكام البراءة، فالإسلام كان وما زال في أكثر عصور التاريخ قراءات متعددة، تختلف باختلاف الزمان والمكان، فقراءة الإسلام أثناء الدعوة الوهابية تختلف عن قراءة الإخوان، وتختلف عن الجامية، وتختلف عن قراءة حزب التحرير، وتختلف عن فهم السياسيين في معظم الدول العربية، وتختلف عن فهم المسلمين المهاجرين إلى الغرب، لا ننسى أيضاً قراءة علماء الدين المعاصرين، ودعاة الجهاد، والمرجئة المعاصرين، والعقلانيين وغيرهم.
الإرهاب أو العنف كان منهجاً يؤمن به بعض المسلمين لتغيير الأوضاع السياسية، وكانت هزيمة 1967 بمنزلة الشرارة التي أطلقت الفكرة، لتشتعل وتستمر لنحو خمسة عقود، والأزمة الحالية هي أي قراءات الإسلام صالحة لهذا العصر، ففهم داعش وتيارات الجهاد الإسلامي تختلف عن فهم السلفية التقليدية، ويظل السؤال قائماً أي هذه القراءات صالحة لهذا الزمن.
أرى أنه يجب إخماد فتنة التكفير، وتشجيع العمل المدني، وأن تكون الدعوة بالموعظة الحسنة، وقبول الآخر والمختلف، واحترام التعددية في المجتمعات، وأن نتجاوز فلسفة التغيير بالعنف والتفجير، فالمجتمعات مسلمة ولله الحمد، والله غفور رحيم.