د.عبدالله بن موسى الطاير
القول إن أمريكا على كف عفريت والعالم على كف أمريكا لا يبتعد كثيرًا عن الحقيقة، لكنه ليس على إطلاقه، فالصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي تحاول جاهدة أن تؤمن اقتصاداتها ضد أي مصير سيء ينتظر أمريكا بعد الانتخابات.
وعلى المستوى الداخلي يلملم كل تاجر بضاعته ويؤمن عليها، وتقفل واجهات المحلات بالمصدات الحديدية لمنع اقتحامها في حالة حدوث فوضى واضطرابات بعد إعلان النتيجة، إذا قدر لها أن تعلن ليلة يوم غدٍ الثلاثاء بتوقيت أمريكا.
لأول مرة يترقب الأمريكيون اضطرابات تزعزع استقرارهم وأمنهم ومصالحهم بعد إعلان النتائج، فأكثر من 80 في المائة من الأمريكيين يتوقعون اندلاع احتجاجات فيما لو فاز ترامب بولاية ثانية، بينما نصف هذه النسبة تتوقع حدوث ذلك فيما لو فاز بايدن.
لقد جرت العادة أن ليلة إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية تمثل احتفالاً أمريكياً بديمقراطيتهم، وتداولهم السلمي للسلطة، فالفائز يحتفل بوصوله إلى البيت الأبيض، والخاسر يحتفل بأن سلمه السلطة بسلام، وكل يحتفل بنصره. ليلة غدٍ الثلاثاء بتوقيت أمريكا لا ينتظر الأمريكيون الاحتفال وإنما يترقبون الأسوأ إذا أعلنت النتائج، وهو أمر يلفه الكثير من الشك وسط صراع جمهوري ديمقراطي غير مسبوق، وصدور أحكام قضائية في بعض الولايات تمنح فرصة تصل إلى 9 أيام لاحتساب الأصوات التي تصل بالبريد بعد يوم الاقتراع الرئيس. وعلى هذا النحو فإن الأمريكيين غدا، يُودعون صناديق الاقتراح والبريد مستقبل بلادهم، وبحلول المساء تتحول التوقعات إلى حقائق والمخاوف إلى وقائع، والكل يراهن على قاعدته الانتخابية، وأمريكا تراهن على عقلائها، والعالم يراقب بقلق، وأسواق المال وكل الاقتصاد العالمي في مرحلة حبس الأنفاس.
العامل الحاسم الذي سيريح أمريكا كثيرًا هو فوز أحد المرشحين بفارق كبير عن الآخر، وهذا سيقطع الطريق على مظنة التزوير -التي يلوح بها الرئيس ترامب دائماً- ويحول بين الطرف الخاسر والمطالبة بإعادة العد يدويًا أو اللجوء للمحاكم. وإذا صدقت استطلاعات الرأي فإن جون بايدن سيفوز بفارق معتبر عن الرئيس ترامب لا يقل عن 50 صوتًا في المجاميع الانتخابية البالغ عددها 538 في حين يكفي المرشح للفوز بالرئاسة 270 صوتًا منها.
أما المعضلة العصية على الاحتواء فستحدث فيما لو كان الفارق صوتين أو ثلاثة؛ كأن يحصل الفائز على 270 والخاسر على 268، وهو ما يعد بمنزلة إشراع الأبواب لجميع الاحتمالات في ظل هذا الانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي.
فرص الرئيس ترامب للفوز برئاسة ثانية أكثر تعقيداً من منافسه، ولكن ليست متعذرة، وإذا كان أحد لا يستطيع الجزم بالنتيجة، ولا حتى استطلاعات الرأي التي تتلقف الخارجين بعد الإدلاء بأصواتهم، فإن التعويل سيكون على فرق العد في كل ولاية بل وفي كل مقاطعة. ويجدر التذكير أن استطلاعات الرأي التي ترصد الخارجين من مقرات الاقتراع لن تكون بفاعليتها المعتادة، فقد أدت الجائحة، ورغبة الديمقراطيين في عدم تكرار تهاونهم في التصويت عام 2016 إلى كثافة في التصويت المبكر بالبريد أو الحضور الشخصي بشكل غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الأمريكية، واقترب، حتى كتابة هذه المقالة، عدد الذين صوتوا مبكرًا من 70 في المائة من إجمالي الذين صوتوا في مجمل انتخابات عام 2016م. معظم الديمقراطيين صوتوا مبكرًا أو بالبريد، بينما بقي معظم الجمهوريين بانتظار الغد للإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع.
جميع استطلاعات الرأي في أمريكا تعطي بايدن الأفضلية بفارق من النقاط يراوح بين ثماني نقاط في استطلاعات فوكس نيوز اليمينية، و12 نقطة في مرصد قناة CNN. ولكن ما زالت توقعات الانتخابات الرئاسية الماضية حاضرة في أذهان الكثيرين على الرغم من إصلاحات هيكلية طالت عمليات ووسائل رصد الآراء منذئذ. وإذا فعلها الرئيس ترامب وخالف كل التوقعات بفوزه، فذلك يعني أن أمريكا قد تغيرت ولن تعود لما قبل 2016م أبداً.
ما الذي سيحدث نهار الغد بتوقيت أمريكا؟ ستقفل مراكز الاقتراع عند الساعة السابعة مساء، ويبدأ العد في كل مقاطعة ودائرة انتخابية، وبعد انتهاء الولاية يجتمع الناخبون الكبار، أو وكلاء الولاية، في عاصمتها ليعلنوا الفائز بولايتهم، ولكنها تبقى إجراءات على مستوى الولايات، ولا تأخذ صفتها الفيدرالية النهائية إلا باجتماع الكونجرس يوم 6 يناير 2021 للتصديق على النتيجة.