بكري عساس
كثيرة هي الخصال الحميدة التي وجدتها في أولئك القوم الذين قضيت جزءاً من عمري معهم خلال الفترة التي امتدت من 1407هـ إلى 1411هـ الموافق للفترة من 1987م إلى 1991م. أذكر هذا وأنا أعلم أن ديننا الإسلامي الحنيف حثنا على هذه الخصال الحميدة بل وأمرنا بها وأننا كمسلمين أولى بالأخذ بها من غيرنا.
مما لاحظته في سكان مقاطعة وسط ويلز البريطانية أنهم شديدو الاعتداد بلغتهم الأمّ، يحبونها ويعلمونها أبناءهم رغم أن اللغة الرسمية لبلادهم هي الإنجليزية. فانظر أين هذا من استحياء بعض أبناء أمتنا -عفا الله عنهم- من لغتهم العربية التي جاء بها القرآن الكريم، وحرصهم على اللكنة والعجمة!
كذلك من السمات الظاهرة التماسك الأسري والترابط العائلي، وما زلت أذكر شاباً ولشياً يقطن بجوار منزلي كان يعيش مع والديه المسنين، ويرفض الزواج! فحدثته يوماً في هذا فقال: مادام والداي معي فأنا متفرغ لخدمتهما، ولا أريد أن آتيهما بامرأة قد تضايقهما أو تشغلني عنهما وهما في هذا السن المتقدم!!
وحتى نساء المنطقة كن ربات بيوت من طراز رفيع، أذكر أن زوجتي اشتكت يوماً لأحد جاراتها في القرية التي كنا نسكن فيها من كثرة قوارير الحليب التي ترسلها بلدية المدينة للأطفال مجانًا بعدد قارورة واحد لكل طفل، وكانت تفيض عن حاجتنا، فما كان من جارتنا -والكلام لزوجتي- إلا أن جاءت بقدر ووضعت فيه الحليب ووضعت معه (الإنفحة)، وغطته بشاش، وعملت ما يلزم ليتحول الحليب إلى جبن لذيذ صار يغنينا عن الشراء من المحلات.
باختصار يمكننا القول: إن حياتهم كانت أشبه ما تكون بحياة أهل البادية عندنا، ممن لم تتلوث نفوسهم بآفات المدنية وأطماعها، ولذلك تجد في حياتهم مواقف كثيرة مليئة بالأخلاق والقيم والمثل والصدق في القول وحسن المعاملة، ما أجمل أن نتعلم منها، وكما أسلفت: نحن أولى بها.